خالد بن عبدالله الهزاع
يشهد شهر رمضان المبارك في المملكة العربية السعودية في كل عام ذروة في استهلاك المحتوى الدرامي والتلفزيوني، مما يجعل هذه الفترة الزمنية نافذة استثنائية للتأثير في الوعي المجتمعي وتوجيه السلوكيات في هذا السياق، يبرز تقرير «تحليل اتجاهات رمضان 2025» الصادر عن مجموعة بابليسيست (Publicis Groupe) صعود المملكة كمركز إقليمي رائد في إنتاج الدراما، مما يطرح تساؤلات حيوية حول مدى توافق هذا المحتوى مع القيم الثقافية الأصيلة للمجتمع السعودي. ودوره في تحقيق أهداف التنمية المستدامة المنصوص عليها في رؤية 2030.
وبصفتها دولة رائدة في المنطقة، تسعى المملكة العربية السعودية جاهدة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتعد البرامج الإعلامية والثقافية إحدى الأدوات الرئيسة التي تستخدمها في هذا المسعى إدراكا لأهمية دور الإعلام والثقافة في نشر الوعي بقضايا التنمية المستدامة، وتعزيز القيم التي تدعمها، حيث تسعى المملكة إلى تغيير السلوكيات، وتشجيع الممارسات المستدامة في المجتمع. ومن هنا، يبرز دور الالتزام بالمسؤولية المجتمعية كركيزة أساسية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، حيث تقع على عاتق المنتجين والمخرجين والكتاب مسؤولية محورية في صياغة محتوى إعلامي وثقافي يعكس قيم المجتمع السعودي وهويته، ويسهم في تعزيز الوعي بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية والبيئية. إنهم، بصفتهم صناع التأثير مدعوون إلى تقديم أعمال فنية هادفة تتناول قضايا المجتمع بشكل إيجابي، وتسليط الضوء على النماذج الملهمة التي تسهم في بناء مجتمع واع ومزدهر.
من المهم أن تكون أعمالهم مرآة تعكس تطلعات المجتمع، وتسهم في تشكيل وعي الأجيال القادمة، وتعزز قيم التسامح والتعايش والعدالة إنها مسؤولية تقتضي الالتزام بأخلاقيات المهنة، والحرص على تقديم محتوى يسهم في بناء مجتمع متماسك، يحترم التنوع، ويؤمن بأهمية الحوار والتفاهم وجسرا للتواصل بين الثقافات، ومنصة لنشر القيم الإنسانية النبيلة، ومصدرا للإلهام والإبداع.
ومما يدعو للتفاؤل، تشهد بالفعل في السنوات الأخيرة جهودًا إيجابية متزايدة من قبل بعض صناع الدراما السعودية لتقديم محتوى يعكس قيم المجتمع وهويته الأصيلة، ويتناول قضايا اجتماعية واقتصادية وبيئية مهمة ففي بعض الأعمال الدرامية الرمضانية، بدأت تظهر أمثلة مشجعة تجسد نماذج إيجابية للمرأة السعودية وتمكينها، وتسلط الضوء على أهمية الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية، وتعزز قيم التسامح والتعايش بين مختلف أفراد المجتمع، كما أنه يوجد برامج إعلامية ركزت على قصص نجاح شباب سعودي في مجالات ريادة الأعمال والابتكار، وأخرى تناولت قضايا التراث الثقافي وأهمية الحفاظ عليه للأجيال القادمة. كما أن هناك مبادرات بدأت تظهر في بعض الإنتاجات تهدف إلى دمج رسائل توعوية حول الترشيد في استهلاك المياه والكهرباء بشكل غير مباشر ضمن سياق الأحداث الدرامية. هذه الجهود، وإن كانت لا تزال في بداياتها، تمثل خطوة مهمة نحو الاستغلال الأمثل لقوة الدراما في تعزيز الوعي وتحقيق أهداف التنمية المستدامة وتستحق الإشادة والتشجيع المواصلة هذا النهج وتطويره.
وحيث إن الجميع حريص على تحقيق رؤية المملكة 2030 وأهداف التنمية المستدامة، ينجلي بوضوح الدور المحوري الذي يجب أن تضطلع به الدراما الرمضانية السعودية فهي ليست مجرد وسيلة ترفيه، بل منصة قوية يمكن من خلالها ترجمة هذه الأهداف إلى واقع ملموس على سبيل المثال، يمكننا المساهمة في تحقيق الهدف الرابع: التعليم الجيد من خلال تقديم محتوى يعزز القيم الإيجابية وينشر الوعي الثقافي.
كما يمكننا تحقيق الهدف الخامس: المساواة بين الجنسين. من خلال تقديم نماذج إيجابية للمرأة في المجتمع، والهدف العاشر الحد من أوجه عدم المساواة، من خلال تقديم محتوى يعزز التسامح والحوار بين مختلف فئات المجتمع.
ولضمان تحقيق الأهداف المرجوة من المحتوى الرمضاني وتقليل أي تأثيرات سلبية محتملة تتطلب العملية تضافر جهود ومسؤولية مشتركة بين عدة أطراف فاعلة في المجتمع في هذا الإطار تضطلع المؤسسات الإعلامية بدور محوري من خلال تبني معايير مهنية وأخلاقية رفيعة في إنتاج واختيار وعرض الأعمال الدرامية، والحرص على تقديم محتوى يسهم بفاعلية في تعزيز الوعي بقضايا التنمية المستدامة والقيم المجتمعية الإيجابية بالتوازي مع ذلك، يقع على عاتق الأسرة مسؤولية ممارسة دور رقابي واع ومستنير، يتمثل في متابعة وتقييم المحتوى المعروض ومناقشة الأفكار والقيم التي تطرحها الأعمال الفنية مع أفرادها، بما يعزز قدرتهم على التحليل النقدي. كما تكتسب المؤسسات التعليمية أهمية قصوى في تنمية الوعي النقدي لدى الطلاب وتزويدهم بالأدوات المعرفية والمنهجية اللازمة لتمييز الرسائل الإيجابية والهادفة من غيرها، وتمكينهم من التعامل بمسؤولية مع المضامين الإعلامية المختلفة.
إن المحتوى الرمضاني يشكل قوة مؤثرة في تشكيل الوعي والسلوك في المجتمع السعودي.
ولذلك. فإن من الضروري أن تتعامل معه بحذر ومسؤولية. يجب أن تكون واعين لما تشاهد، وأن نختار الأعمال الفنية التي تعزز قيمنا وهويتنا، وأن نسعى إلى إنتاج محتوى يسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وبناء مجتمع واع ومزدهر، يتماشى مع رؤية المملكة 2030.
وإذ تؤكد على هذه المسؤولية المشتركة وأهمية التعامل الواعي مع المحتوى الرمضاني، فإنه في ضوء ما نشهده من تطور في إنتاج الدراما السعودية خلال شهر رمضان، والذي يسلط عليه الضوء تقرير «تحليل اتجاهات رمضان 2025»، يصبح من الأهمية بمكان ضرورة تبني توصيات عملية التعزيز مساهمة الدراما السعودية خلال شهر رمضان في التنمية المستدامة. يشمل ذلك تضمين قصص وسيناريوهات مرتبطة بقضايا البيئة والطاقة المتجددة، وتقديم نماذج إيجابية وملهمة للشباب والمرأة، إضافة إلى دمج رسائل توعوية حول الاستهلاك الرشيد بشكل غير مباشر في سياق الأحداث الدرامية ومن المهم أيضا تشجيع التعاون مع خبراء التنمية المستدامة الضمان تقديم محتوى دقيق ومؤثر وقد يسهم إنشاء جوائز خاصة للأعمال الدرامية التي تتناول قضايا الاستدامة في تحفيز المبدعين ورفع مستوى الوعي بأهمية هذه القضايا.
إن التوصيات والاتجاهات التي قد يكشف عنها هذا التقرير يجب أن تكون بمثابة بوصلة لصناع الدراما والجهات المعنية، نحو الاستغلال الأمثل لقوة الشاشة الرمضانية في بناء مجتمع واع ومزدهر.