الثقافية - علي بن سعد القحطاني:
توفي الأديب والشاعر السعودي سعد بن عبد الرحمن البواردي مساء أمس الأحد، عن عمر ناهز 98 عاماً، بعد مسيرة حافلة بالعطاء الثقافي والأدبي ويعد أحد أبرز رواد الصحافة والأدب في المملكة، وسيصلى عليه بعد صلاة العصر اليوم الاثنين في جامع عبدالله المهيني، على أن يُوارى جثمانه الثرى في مقبرة الشمال ، وقد خلف الأديب الراحل أبناءه وبناته عبدالرحمن، نازك، فدوى، ووليد، الذين تلقوا التعازي من أوساط ثقافية وأدبية وصحفية واسعة.
سيرة ومسيرة
سعد بن عبد الرحمن البواردي (1348- 1446 هـ / 1930- 2025 م) أديب وشاعر سعودي، ولد في محافظة شقراء عام 1348هـ/1930 م، ويعد من رواد الصحافة في المملكة العربية السعودية بإنشائه لمجلة «الإشعاع» في الخبر عام 1375هـ/1975م عرف بكتابة زاويته الشهيرة (استراحة داخل صومعة الفكر) التي كتبها على مدى عقود في جريدة الجزيرة، وله العديد من الإصدارات الشعرية والنثرية من بينها: (حتى لا نفقد الذاكرة)، و (قصائد تخاطب الإنسان) ، وهو حاصل على وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى عام 1435هـ/2014م.
كان والده أميراً لشقراء وشاعراً شعبياً، وقد توفي والد سعد البواردي وهو لم يبلغ بعد الثالثة عشرة من عمره، وقد انتقل من شقراء إلى عنيزة لمواصلة دراسته، ثم التحق بمدرسة دار التوحيد الإعدادية في الطائف، واضطرته ظروف الحياة للانتقال إلى المنطقة الشرقية للعمل، حيث انتقل إلى الأحساء واشتغل عامل ميزان، ثم انتقل إلى الخبر وعمل بها موظفاً في أحد مكاتب التجار، ثم عمل بائعاً لقطع غيار السيارات لدى شركة عبد اللطيف العيسى قبل أن يدخل ميدان الصحافة عن طريق الصدفة.
عمله ووظائفه
عمل مديراً لإدارة العلاقات العامة، إضافة إلى إدارة مجلة المعرفة، وسكرتارية المجلس الأعلى للتعليم، وسكرتارية المجلس الأعلى للعلوم والفنون والآداب في وزارة المعارف ، كما عمل في وزارة التعليم العالي ملحقاً ثقافياً للشؤون الإعلامية في كل من بيروت والقاهرة.
مجلة «الإشعاع»
أصدر سعد البواردي مجلة «الإشعاع»، وهي مجلة أدبية اجتماعية تصدر شهرياً في شهر سبتمبر 1375هـ - 1955م في مدينة الخبر شرق السعودية، وقد صدر منها ثلاثة وعشرون عدداً واستمرت في الصدور لمدة عامين فقط، وقد جمعت أعدادها في مجلد واحد صدر عن دار المفردات.
ويقول البواردي في سيرته (شريط الذكريات) عن ظروف ولادة المجلة: «لم يكن للإشعاع مكتب، ولم يكن لها أسرة تحرير، بل لم يكن لها عنوان. أما ميزانيتها فهي خمسمائة ريال للألف نسخة التي تحددت كحد أقصى ثابت لم يتغير إلى حين توقفها.. ويقول عن الصعوبات التي واجهته في الإشعاع أيضاً: «كنت - للأسف - كل أسرة تحريرها. بل أكاد أقول كل كتابها.. تحت هذه العناوين جاءت الكتابات متواضعة إلى أقصى حد.. سعد البواردي ، فتى الوشم، أبو سمير، أبو نازك، كانت ميزانيتها تقتطع من مرتبي الصغير أكثر من نصفه، لا يهم، المهم أن تبقى المجلة أطول أمد ممكن».
تكريمه
كُرم كشخصية ثقافية لمهرجان الجنادرية 29 عام 1435هـ (2014م)، وقلده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود في فبراير من العام نفسه وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى تقديراً لنشاطه الأدبي والثقافي على مدى 60 عاما.
وقد خصصت صحيفة ( الجزيرة ) بمناسبة اختيار الأديب والشاعر السعودي سعد بن عبد الرحمن البواردي شخصيةً ثقافية للمهرجان، خصّصت ملفًا ثقافيًا متكاملًا يرصد مسيرته الإبداعية الحافلة، ويستعرض أبرز محطات عطائه الأدبي والصحفي، وتنوع نتاجه الشعري والنثري، إضافة إلى شهادات أدباء ومثقفين عاصروا تجربته الغنية وأثره في المشهد الثقافي السعودي.
تفاعل
وقد تفاعل العديد من الأدباء والمثقفين مع خبر وفاة البواردي على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث عبّروا عن حزنهم لفقدان هذه القامة الأدبية.. لتعبّر عن مكانة الراحل سعد البواردي المشهد الثقافي السعودي، بوصفه أحد روّاد الشعر والمقالة والأدب الصحفي، الذي أسهم لسنوات طويلة عبر زاويته الشهيرة «استراحة داخل صومعة الفكر» في صحيفة الجزيرة، وترك خلفه إرثًا أدبيًا امتد لعقود.
فقد أكد الدكتور عبد الله الغذامي أن الأديب سعد البواردي شكّل علامة بارزة في المشهد الثقافي السعودي، مشيرًا إلى دوره الريادي في الصحافة الثقافية، وإسهاماته في إثراء المجالس والفضاءات الأدبية، ودعمه المستمر للمثقفين والنهوض بالوعي الثقافي، وأضاف: «كان يمثل رمزية في الأخوّة، وصدق العزيمة، وتبنّي الوعي».
من جانبه أشاد الدكتور سعد البازعي بمكانة الأديب سعد البواردي، واصفًا إياه بأنه أحد أعلام الأدب والثقافة في المملكة، وقال:
«بفقده، فقد الوطن قامة أدبية كبيرة. عرفته رجلاً في غاية الطيبة واللطف، بشوشًا كريم النفس، وقبل ذلك، عرفته شاعرًا ترك بصمة راسخة في تاريخ الأدب السعودي والعربي.»
وأشاد الناقد والأكاديمي الدكتور صالح زياد بإسهامات الأديب سعد البواردي في المشهد الثقافي المحلي، مشيرًا إلى فرادته في توظيف السخرية كأداة فلسفية ونقدية تُظهر عمقًا فكريًا خارج المعتاد.
وكتب في منشور له على منصة ( X ) :»رحم الله الأستاذ سعد البواردي، الاسم الرائد في الثقافة السعودية: شاعراً وصحفياً وكاتباً، وصاحب موقف مستنير… لقد لفتنا، -رحمه الله-، في كتابه فلسفة المجانين (1961) - على سبيل المثال - إلى قدرة متميزة في الكتابة الساخرة، التي تطرح أسئلةً فلسفيةً، ورؤى نقدية اجتماعية وثقافية حادة أحياناً».
من جانبه عبر الكاتب والإعلامي خالد السليمان عن حزنه لرحيل الأديب والشاعر سعد البواردي، مؤكدًا أن بصمته ستظل حاضرة في تاريخ الثقافة السعودية، وقال السليمان :»رحم الله الأستاذ الكبير سعد البواردي، أحد رموز الأدب السعودي، سيبقى أثره في تاريخ ومسيرة الثقافة السعودية.. خالص العزاء لأسرته ومحبيه.»
ماذا قال النقّاد والدارسون عن سعد البواردي
حظي الأديب والشاعر سعد بن عبد الرحمن البواردي باهتمام واسع من قِبل الدارسين والنقاد، فلا تكاد تخلُو دراسة أو مؤلف تناول الأدب السعودي، وخاصة شعره في نجد، دون الإشارة إلى أثره وريادته.
ومن أوائل من كتب عنه الأديب الشيخ عبد الله بن إدريس في كتابه الشهير شعراء نجد المعاصرون (1380هـ/1960م)، واصفًا إياه بأنه «شغوف بالقراءة والمطالعات الأدبية، وبخاصة في الأدب المعاصر، وقد غرس في نفسه العاطفة الوطنية وحب الإصلاح الاجتماعي»، مضيفًا أن شعره يجمع بين الرومانسية والواقعية حسب مقتضى السياق والتجربة، وكان البواردي- كما نقل عنه - يرى أن الأدب لا بد أن يخدم الحياة، رافضًا الانكفاء على الذات.
وتوالت الإشارات النقدية إلى أدبه، فقد تحدث عنه الأستاذ عبد الرحمن العبيد في كتابه :»الأدب في الخليج العربي»، كما أفرد له الدكتور حسن الهويمل مساحة وافية في كتابه» اتجاهات الشعر المعاصر في نجد»، مؤكِّدًا أنه شاعر يزاوج بين الاتجاهات الرمزية والواقعية والرومانتيكية، متأثرًا بالبيئة والتجربة، ووصفه بأنه من أكثر الشعراء إسهامًا في إثراء الشعر النجدي والسعودي عمومًا، كما عدّه كاتبًا اجتماعيًا لامس تفاصيل المجتمع ونبضه، خصوصًا في مجالي الواقعية والوطنية. من جهته وقف الدكتور بكري شيخ أمين عند ديوان «صفارة الإنذار،»معتبرًا إياه تعبيرًا رمزيًا عن الخطر الصهيوني المحدق بالعرب، ووصف البواردي بالشاعر الذي لم يستسلم لليأس بل أنهى قصيدته بنبرة من الأمل والإصرار على الحياة.
كما أبدى إعجابه بمجموعة «شبح من فلسطين» لما تضمنته من مضامين فكرية ناضجة.
ويقول عنه الدكتورعبد الله بن حامد المعيقل في كتاب «موسوعة الأدب العربي السعودي «:(أما سعد البواردي فقد ناصر حركاتِ التحررِ وقضايا الحرية العربية والعالمية، كما غنَّى لبلاده كثيرا، ويكاد هذان الموضوعان يستحوذان على معظم ما كتبه من شعر) .
وعلّق د.محمد الهدلق على إبداعات سعد البواردي من خلال الملف الثقافي الذي تناولته صحيفة الجزيرة عن شخصية الراحل وقال :»وكل تلك الشهادات وغيرها تؤكد على أن سعد البواردي يمثل قامة أدبية راسخة في المشهد الثقافي السعودي، وأن أعماله - بما فيها من تنوع شعري وسردي ونثري - ما تزال في انتظار المزيد من الدراسات الأكاديمية الجادة التي تسبر أغوارها وتكشف عن مكنوناتها، خاصة من قِبل طلاب الدراسات العليا في الجامعات داخل المملكة وخارجها».