عبدالله صالح المحمود
مع التوسع العمراني الكبير في العاصمة الرياض، برزت فجوة سعرية واضحة بين أحياء الشمال والشرق من جهة، والجنوب والغرب من جهة أخرى. رغم أن جميع هذه المناطق تقع ضمن نطاق المدينة نفسها وتخضع لنفس القوانين، إلا أن أسعار العقارات في الشمال تحديدًا تواصل الارتفاع بشكل ملحوظ، بينما تبقى مناطق الجنوب والغرب أقل تكلفة. فما السر وراء ذلك؟ وهل يعود الأمر إلى التسويق العقاري، التخطيط الحكومي، أو عوامل اقتصادية أخرى؟
لا يوجد قرار رسمي يوجه السكان نحو منطقة بعينها، لكن توزيع المشاريع الحكومية الكبرى والبنية التحتية الحديثة لعب دورًا في رفع جاذبية الشمال والشرق. فعلى سبيل المثال، نجد أن العديد من الجامعات، المستشفيات، والمراكز التجارية الكبرى تتركز في هذه المناطق، مما يعزِّز الإقبال عليها.
لكن في المقابل، لا يمكن القول إن مناطق الجنوب والغرب تعاني من ضعف في البنية التحتية أو غياب المشاريع. فالجهات المسؤولة تعمل على تنفيذ مشاريع تطويرية ضخمة في هذه الأحياء، من بينها خطة شاملة لتحسين مرافق جنوب الرياض، تشمل مشاريع بنية تحتية، طرق حديثة، ومطار جديد. بالإضافة إلى ذلك، تم الإعلان عن تفعيل مركز مشاريع البنية التحتية في المنطقة لمتابعة تنفيذ التطويرات العمرانية والخدمية.
في عالم العقارات، لا يحدد الموقع وحده الأسعار، بل تلعب الصورة الذهنية دورًا كبيرًا في تشكيل الطلب. لعقود طويلة، تم الترويج لأحياء الشمال على أنها وجهة النخبة والمستثمرين، مما أدى إلى زيادة الطلب عليها وارتفاع أسعارها بشكل يفوق المناطق الأخرى.
على الجانب الآخر، لا تزال بعض مناطق الجنوب والغرب مرتبطة في أذهان البعض بأنها أقل تطورًا، رغم المشاريع الضخمة التي يتم تنفيذها فيها. وقد يكون لهذا التصور تأثير على بطء ارتفاع أسعار العقارات هناك مقارنة بالشمال.
مع إطلاق مشروع مترو الرياض، كان من المتوقع أن تتقلص الفجوة السعرية بين الأحياء المختلفة، نظرًا لأن سهولة التنقل ستجعل أي منطقة قريبة من مركز المدينة وجهة جاذبة للسكن. لكن المفاجأة أن أسعار الشمال لم تتراجع، بل واصلت الارتفاع، مما يدل على أن هناك عوامل أخرى تلعب دورًا أكبر في تحديد الأسعار، مثل نوعية المشاريع ومستوى الخدمات العامة.
مع استمرار المشاريع التنموية في مختلف أنحاء الرياض، من المتوقع أن تتوزع القيمة العقارية بشكل أكثر توازناً مع مرور الوقت. فالمشاريع الجديدة في الجنوب والغرب ستساهم في تعزيز جاذبيتها، وربما تدفع بأسعارها للارتفاع تدريجيًا.
لكن السؤال الأهم: هل سيتغيّر التوجه الاستثماري والتسويقي ليشمل هذه المناطق بشكل أكبر، أم أن الطلب سيظل مركزًا في الشمال والشرق؟ الأيام القادمة وحدها كفيلة بالإجابة.