رمضان جريدي العنزي
الإنسان الحقيقي يسمو بالعقل والحكمة والوعي وعيش الواقع، والمعرفة التامة بالكينونة، والثقة المطلقة بالذات، بعيداً عن الجلبة والادعاء والخداع وتزييف الحقائق والوقائع ووضع المساحيق والأصباغ، إن الإنسان الواقعي لا يشبه البالونة التي لا تعلو إلا حين تمتلئ بالهواء، لأن بعض العلو والارتقاء اسفنجي رخو ورقيق، يؤدي لسقوط سريع وشنيع ومؤذي، ما يحتاجه الإنسان هو أن يعيش كما هو بدون إيقاع مزعج، ولا مكياج كبير، ولا أصباغ ملونة، ولا اصطناع حالة مغايرة، ولا جمهور مصفق، أن المظاهر الزائفة، مثل الأقنعة المصطنعة، كلاهما يخفي الحقيقة والواقع، أن أراد الإنسان أن يعيش بسلام وهدوء ووئام، فلا يتعلق بالمظاهر، ولا يطارد الأوهام، عليه أن يكون كما هو، بلا زيف، ولا فشخرة، ولا رتوش، وبعيداَ عن محاكاة الخيال، عليه أن يعيش بواقعية وصدق وثقة، وأن يكون فخوراَ بنفسه وواثقاَ بها، أن الشخص الحقيقي يكون ناضجاَ فكراَ وتعاملاً، سلوكاً ومنطقاً، صاحب مبدأ وثبات، بعيداً عن التلون والتبدل والظهور بمظهر مخالف لواقعه وحقيقته، ولا يحيط نفسه بهالة من الإعجاب المصطنع، والغرور المشين، والتعالي المنبوذ، والشخصية المضطربة المتغيرة، أن الإنسان الحقيقي ليس في طوله وعرضه وهيئته وشكله ولونه ووزنه وماله وجاهه وغناه، ولا بآنية أكله وشربه، ولا في لبسه ومركبه وحديقته وقصره وعطره وبشته، بل الإنسان الحقيقي بعمله وعلمه وعطائه وموقفه وتواضعه وبشاشته وترفعه وتنزهه عن الموبقات والزلل والخطايا والدنايا والدجل.
إن الإنسان الحقيقي هو الذي يملك الخلق الحسن، والسلوك المتزن، والعلاقات الوطيدة، والمعاملة الواضحة، لا يرفث ولا يفسق، لا يهمز ولا يلمز، لا يحقد ولا يحسد، لا يمن ولا يستكثر، لا يكذب ولا يفتري، ولا يدعي ما ليس فيه، ولا يسعى بين الناس بالنميمة، يحق الحق، ويبطل الباطل، إن الإنسان العاقل الواعي المدرك هو من يعرف هذه الحقائق الواضحة والجلية، يفكر فيها بتمعن وتدبر ثم يستقيم ويتزن، بعيداً عن الاستعلاء والتكبر والغطرسة والتعالي.
إن الإنسان الحقيقي لا تهزمه الأنانية الضيقة المفرطة، والمصالح الشخصية الآنية، بل يجب أن يكون صالحاً في أعماله، وصادقاً في أقواله، مستقيماً في علاقاته الاجتماعية، محسناً للناس، وماشياً معهم، وفي الأخير إن الإنسان الحقيقي يمثل شجرة يانعة يستظل بها المتعبين، نهراً عذباً، وساقية ماء، وحديقة غناء، وظلاً ممدود.