سهم بن ضاوي الدعجاني
بدأت علاقتي بالراحل الكبير الأستاذ سعد البواردي -رحمه الله- قبل ثلاثين عاما، عندما كنا نلتقي على ضفاف « ضحوية» شيخنا حمد الجاسر -رحمه الله- فقد كان أستاذي سعد من رواد خميسية الجاسر في حياته وبعد وفاته. وعندما توليت إدارة مركز حمد الجاسر الثقافي والاشراف على الخميسية في الفترة بين (1423 – 1426هـ)، قدم محاضرة قيمة بعنوان « التجربة في جادة الكلمة «
شاعريته المبكرة
الشيخ عبد الله بن ادريس -رحمه الله- قال عن الفقيد في كتابه « شعراء نجد المعاصرون «قبل 66 عاما»: « كان شغوفاً بالقراءة والمطالعات الأدبية وفي الأدب المعاصر بوجه خاص، ولقد نمى فيه العاطفة الوطنية وحب الإصلاح الاجتماعي إلا أن توفره واقتصاره على هذا الأدب وانصرافه عن الأدب القديم وبالتالي عزوفه عن ربط القديم بالحديث قد أفقده شيئاً من العمق والارتواء العلمي والثقافي الذي تبرز حصيلته في كتاباته النثرية وقصائده الشعرية. ميزة شعره: المزاوجة بين الرومانتيكية والواقعية، وهو مع أحدهما حسب مقتضيات الحال وقوة الدافع المؤثر»
مجلة الإشعاع
وقع في يدي العدد الثالث من مجلة « الإشعاع «، السنة الثانية، الصادر في ربيع الأول سنة 1376هـ وعلى غلافه عنوان عريض « هؤلاء نفذوا إلى باب الـتأريخ «، وفي اعتقادي أن هذا العنوان يختصر مسيرة الراحل في مختلف مراحل عمره الذي تجاوز (95) عاما ليؤكد للأجيال أن البواردي بكفاحه في ميدان الصحافة والثقافة قد « نفذ إلى باب التأريخ « والمجد. الدكتور عبد الله العثيمين رحمه الله قال عن هذه المجلة: « كانت انطلاقة مجلة الإشعاع، مجلة شهرية أدبية اجتماعية، في المنطقة الشرقية من الوطن العزيز، وذلك في شهر محرم 1375هـ - سبتمبر 1955م، وامتد عمر صدورها – وفق ما هو مطبوع في المجلد – إلى شهر شوال من سنة 1376هـ «
علاقته بمركز الجاسر الثقافي
بعد وفاة الشيخ حمد الجاسر -رحمه الله – كان الراحل عضوا في اللجنة التأسيسية لمؤسسة حمد الجاسر الخيرية، التي تشكلت في عام 1421هـ، وبعد موافقة الملك سلمان بن عبد العزيز -أيده الله – على إنشائها، إبان توليه إمارة منطقة الرياض آنذاك تم إطلاق المؤسسة التي وافق الملك على تولي الرئاسة الفخرية لها، تقديرا لمآثر الشيخ العلامة حمد الجاسر كما كان الفقيد سعد البواردي عضوا في أول تشكيل لمجلس أمناء المؤسسة الذي بلغ عددهم 19 عضوا.
علاقاته الأدبية
تميز البواردي بالحضور من خلال الكتابة الدورية الرصينة في المجلات والصحف المحلية، فقد كان له زاوية شهرية في المجلة العربية بعنوان « كلمات « وهنا في « الثقافية « كتب زاويته الشهيرة التي عرف بها لعدة سنوات « استراحة داخل صومعة الفكر « أسهم من خلال هذه الزاوية في الكتابة النقدية بقراءات انطباعية حول عدد كبير من دواوين الشعراء المعاصرين، لما يتمتع به من خبرة منحته القدرة على النقد بالإضافة إلى مشاركاته القيمة في الملفات النقدية التي تطرحها الملاحق الثقافية المتخصصة؛ فقد عاش رحمه الله حاضرا وفاعلا في المشهد الثقافي، من خلال النشر الدوري للكثير من مقالاته وقصائده في العديد من الصحف والمجلات المحلية، منها: «اليمامة»، و»الجزيرة»، و»اليوم»، و»المسائية»، و»قريش»، و»الأضواء»، و»الرائد»، و «الفيصل»، و»المعرفة الجديدة»، و»المجلة العربية»، و»الحرس الوطني». من تلك الآراء حديثه عن الدكتور عبد العزيز الفيصل عام 1434هـ: « جمعتني به الصدفة السعيدة في رحلة لذيذة المذاق الى حضرموت من أكثر من عامين كان خير رفيق وأعز صديق « كما كتب عن الشاعر إبراهيم العواجي: « الصديق الشاعر العواجي لا يتوقف مداده.. وإنما يمتد ويمتد طارحا من خلال أجنحة مشاعره وشعره صورا وأخيلة من الحياة.. يرصد بها رؤيته حول الكون، والانسان والحب، والهجر.. والحنين في تقاطع تارة.. وفي تباين أخرى وفق رصده للحركة القائمة التي تجتذبه نحوها مرة.. ويلاحقها مرة أخرى، وفي كلتا الحالتين يتم اللقاء عبر منظوره. ومنظارها الشفاف»
كما تشهد العديد من المجالس الأدبية بمدينة الرياض بحضوره وتعليقاته المحببة للنفوس لعمقها وصدق تجربته الطويلة، وعلاقاته الأصيلة مع شرائح المثقفين والأدباء من مختلف الأعمار والأطياف الفكرية.
الهدلق والبواردي
تذكرت ما كتبه الدكتور محمد الهدلق – رحمه الله - عن الفقيد: « الأستاذ الأديب سعدُ بن عبد الرحمن البواردي واحد من رموز الأدب والثقافة في المملكة العربية السعودية، ترَبَّت على أدبه أجيالٌ من الشعراء والأدباء ومحبي الثقافة، فالأستاذ سعدٌ شاعرٌ متميزٌّ عرف الناسُ له قصائدَه الوطنيةَ التي تتحدث عن فلسطين والجزائر وغيرِهما من الأقطار التي ناضلت ولا زال بعضُها يناضل من أجل الحرية. وهو أيضا كاتب اجتماعيٌ قدير، وكاتبُ مقالةٍ، وقاص، وكاتبُ سيرةٍ ذاتية. ولعل القصةَ القصيرةَ هي التي قادته في مطلع حياته إلى حظيرة الأدب؛ فقد ذكر الأستاذ سعدٌ أنه عندما كان يافعا أعلنت صحيفة « البلاد السعودية « في أوائل الستينياتِ الهجرية من القرن الماضي عن مسابقةٍ للقصةِ القصيرة، ورغم صغرِ سنِّ سعدٍ ومحدوديةِ ثقافته في ذلك الوقت، فقد دخل المسابقةَ بقصةٍ لا يتجاوز طولُها الصفحاتِ الثلاث، وكان عنوانُ القِصةِ « على قارعة الطريق «. وقد فاز سعدٌ بالجائزة الثالثةِ لهذه المسابقة. ولا شك أن هذا الفوزَ كان نقطةَ تحولٍ في حياته الأدبية.
أمنية واحدة فقط
« أن نقف جميعا وجها لوجه أمام ذرات حياتنا نجلوها بالمجهر الفاحص لنحقق.. لنمحص.. ثم لنختار الذرات الخيرة المشرقة لنجعل منها « الأقمار « الحقيقية التي تدور في فلك حياتنا «، هذه « الأمنية « ختم بها مقدمة ديوانه « ذرات في الأفق « الصادر عام 1382هـ في بيروت عن دار الاشعاع، فلنحرص على تحقيق هذه الأمنية تقديرا لتأريخه وكفاحه ليبقى خالدا في ذاكرة الوطن .
ختاما
دعونا نقرأ ما كتبه الراحل سعد البواردي عن « مدرسته الحقيقة « الشيخ حمد الجاسر – رحمهما الله - جميعا؟ حيث كتب: « لو نشرت لذكراه عبر كل صحيفة ما أوفيته حقه.. ولو كتبت عن خسارتنا بفقده في كل مجلة ما أنصفته.. لا لأنه الأب الروحي.. ولا لأنه الأخ الكبير.. ولا لأنه الصديق الصادق العصامي فحسب، بل لأنه كل هذا وأكثر من هذا.. كان المدرسة التي عرفتنا كيف نلج إلى بوابة المعرفة بعيون مبصرة.. وعلمتنا كيف نتعرف على تأريخنا غير الموثق بوعي لا ضبابية فيه.. وأفهمتنا كيف نصوغ المفردات إيصالا للمعلومة ووصلا للعلم اليقيني الذي لا يقبل الجدل»