عبدالله إبراهيم الكعيد
الحكاية تدور حول مرحلة حساسة في حياة الإنسان.
مرحلة الشيخوخة.
وبالذات شيخوخة الرجل ما بعد التقاعد فالبعض يتندر بسخريةٍ من المتقاعد وأن مهمته الوظيفية قد اقتصرت على ملاحقة مفاتيح الإضاءة (الأفياش) وإطفاء الأجهزة الكهربائية الموصولة بالطاقة بعد أن كان ذاك الموظف المُهاب صاحب الصلاحيات المتعددة. الغريب أن يجد ذلك التندر صدى لدى البعض فيصدّق تلك القصص التي تُروى عنه ويضحك منها حتى ينغرس ذلك النمط من السلوك كمفهوم أصيل يُلصق بالمتقاعد غير قابل للدحض أو التشكيك.
دعوني أنقل لكم أكثر من مشهد يحدث بشكلٍ متكرر في معظم بيوتنا وبعدها أترك لكم الحكم حيال رد فعل صاحبنا الرجل المتقاعد.
مشهد (1): الوقت في حدود الساعة الثامنة صباحاً. يخرج رب الأسرة المتقاعد (سين) وقد حدد في ذهنه نوع الإفطار الذي يُفضِّله كل فرد في الأسرة ويجد بأن أنوار سور المنزل لم تُطفأ بعد فيغمز بسبابة يده اليُمنى مفتاح الإطفاء بكل رضا.
مشهد (2): يعود وقد حمل الأكياس التي تحتوي إفطار أهل البيت الذين ما زالوا يغطّون في نومٍ عميق ويجد أنوار الصالة (عدد لمباتها 12) بما فيها الاسبوتات مضاءة رغم عدم وجود أحد فيها، فهل الأثاث يستوحش في الظلام؟ بلمسة صغيرة على زر لم تستهلك منه سوى سعرة حرارية واحدة يُنهي المهمة.
مشهد (3): وجد جهاز التلفاز يشتغل رغم أن الصالة لا يجتمع فيها اليوم سواه وأم العيال وفي بعض الأحيان الشغالة، العجوز ترقب ما يدور على الشاشة من مطبخها. لاحظ بأن أحدهم (كثّر الله خيره) قد كتم الصوت على وضع (MUTE). تناول الريموت فغمز على زر (OFF) فخمد الضوء.
دخل المطبخ فوجد صنبور الماء (يسورب) لأن أحدهم لم يكلِّف نفسه عناء التأكد من إحكام إغلاقه. فقط ثلاث (تكّات) صغيرة استهلكت ثلاث سعرات حرارية ليتوقف الماء عن الجريان.
أشعر أنا كاتب هذه السطور بالدهشة من كمية إهدار الطاقة في منزلٍ واحد يمثِّل آلاف المنازل المشابهة فأكف عن سرد بقيّة الأمثلة وقبل أن أضع نقطة آخر السطر أقول: نحن نُكرِّر كثيراً المقولة الشهيرة التي تحث على الترحم لمن أهدى إلينا عيوبنا فماذا عسانا أن نقول عمَّن (يفعل) ما يحافظ على حياتنا برمتها. قيل عن نصائح الشيخوخة بأنها تُضيء دون أن تحرق مثل شمس الشتاء.