غالية بنت محمد عقاب المطيري
هل باتت دقّات قلوبنا بحاجة إلى تعلّم الإيقاع حتى نُحب؟
هل أصبحنا نحتاج إلى تدريب لنُقبّل أطفالنا، ونشمّ رائحتهم حدّ الامتلاء؟
أيعقل أن نحتاج إلى تعلّم كيف ننظر بأعين الحب والتقدير إلى أمهاتنا وآبائنا؟
وهل صارت قلوبنا تحتاج إلى دورات تدريبية كي تفرح باحتضان من نحب؟
ما الذي جعلنا نطلب المساعدة لنتواصل، ونُحسّ، ونشعر بالآخر، ونهتم؟
هل فقدنا فطرتنا في الحب والتعامل، حتى أصبحت العلاقة الطبيعية بيننا وبين من حولنا... مادةً للتعلّم؟!
لماذا أصبحنا نسمع عن دورات لتربية الأبناء، وأخرى للمتزوجين، وثالثة للمقبلين على الارتباط؟
ويا ليت الأمر توقّف عند هذا الحد، بل أصبحنا نسمع عن دورات، وبودكاستات، ولقاءات، ومقابلات عن «كيف تحمي نفسك من حبّ الآخر»!
بل، والأدهى والأمرّ: كيف تحمي نفسك عند التعامل مع والديك!
في البداية، ظنناها مجرد أحاديث عبثية، لا يستمع إليها عاقل، بل هي ضرب من الجنون لا يمكن أن يطوف في دنيا البشر، أو أن يقترب من خيالاتهم.
لكنّ الأمر تفاقم، وصرنا نسمع عن حضورٍ لتلك البرامج والدورات، فخشينا أن يكون الجنون قد استشرى، كما استشرت كورونا منذ أعوام، حين منعت التواصل والاتصال.
وأنّا نحن فقط تلكم القلّة القليلة التي لم يُصبها ذلك الجنون.
ولعلّ هذه الكلمات نداءٌ ناصحٌ مشفق، ينادي من بقيت فطرته سليمة، كما تنادي الأمّ الرؤوم فلذة كبدها ذا العامين، وهو يخطو أمامها فتخشى عليه، وتجري نحوه، وهي لا يضيرها أن تسقط هي، ما دام لم يُصَب هو بأذى.
إنّ العلاقات فطرة، بل هي غريزة، أُودعت في قلوب البشر وأرواحهم.
فلا تحتاج الأمّ أن تتعلّم كيف تحمي صغيرها أو تشعر به، ولا يحتاج القلب المُحبّ إلى من يعلّمه كيف يهتمّ بمن يحب، حتى وإن فصلت بينهما بحار ومحيطات.
ولا يحتاج الأب أن يتعلّم كيف يُربّي ابنه، ويغدق عليه من اهتمامه وحرصه، وشدّته، بل وقسوته أحيانًا، حتى يشتدّ عوده ويقوى جلدهُ.
ولا يحتاج الأخ أن يتعلّم كيف يُساند أخاه، ويشاركه، ويُؤثره على نفسه.
وإن قال ناعقٌ البوار إنه احتاج أن يتعلّم كيف يُواري سوءة أخيه، فنقول: إنّ مواراة السيئات شرّ، وهذه السيئة لم تكن في فطرة الأخ؛ لذلك احتاج أن يتعلّم ما جهل، وهذا الفعل شاذّ عن صفات الاخ، ولا يُعتدّ بالشاذ عن القاعدة.
وما أظنّ مُدّعي تلك الأمور ومُختلقي تلك الدورات إلا دُعاةَ شهرةٍ ومال.
لذلك، علينا أن نعود إلى فطرتنا، قبل أن نصبح آلاتٍ لا تشعر ولا تحسّ.
وصدق إيليا أبو ماضي:
ما بالُ قلبِكَ ليسَ فيهِ رحمةٌ
ومتى قسا قلبُ امرئٍ ما نفعهُ علمُ