عبدالوهاب الفايز
لن يأتي بجديد من يقول إن التحولات الكبيرة السريعة التي يشهدها عالمنا اليوم تجعل الإعلام أحد أهم الأدوات التي تشكل الرأي العام، وتعزز -أو تبعد- التواصل بين المجتمعات. الإيجابي في بلادنا اهتمام وإدراك وزارة الإعلام لأهمية هذا الدور وضرورة نقله إلى الاحترافية بحيث يكون عملا متكاملا، ومؤسسيا، ومستداما في الاثر وعميق التأثير للمنظومة الإعلامية التي تعمل للمصلحة العليا لبلادنا.
ومسيرة تطوير هذا القطاع الحيوي تستهدف، ليس فقط مواكبة التطورات العالمية، بل تعزيز مكانة المملكة الروحية والإعلامية والثقافية، ولأجل مواصلة الإعلام السعودي استثمار تاريخه وإمكاناته للتوسع في العمل الجاد المحترف لإيصال ما تتطلع إليه رؤية 2030.
ومن الأمور المهمة في الرؤية تنمية الموارد البشرية، لذا تحرص الوزارة على هذا الأمر وتضعه الركيزة الأساسية لتحقيق التميز والاستدامة في الإعلام السعودي. وهذا نراه واضحا في تقرير (حالة قطاع الإعلام السعودي وفرصة الاستثمار 20 24) الصادر عن الهيئة العامة لتنظيم الإعلام والذي يتناول أبرز الأوضاع في منظومة الإعلام السعودي، مع التركيز على فرص الاستثمار وتنمية الموارد البشرية.
وتنمية الموارد البشرية كانت أولوية حاضرة في جدول أعمال الوزارة منذ الأسبوع الأول الذي استلم فيه زميلنا العزيز النبيل الأستاذ سلمان الدوسري مهمة قيادة الإعلام السعودي.. ولمسنا اهتمامه الواضح بتنمية وتطوير الموارد البشرية الوطنية، والذي يضعه في أولوياته، في اللقاء الخاص الذي جمعه مع القيادات الإعلامية بعد تعيينه وزيرا للإعلام، ورتبه الأستاذ خالد المالك في منزله.
ومهمة تنمية الموارد البشرية تواجهها تحديات، وتحفها التطلعات، وتسندها روح الدولة، وتساندها القيادة، ويدعمها الشعب السعودي حتى تكون منظومة الإعلام جزءا أصيلا في إدارة التواصل والتغيير التي تحتاجه برامج الرؤية ومبادراتها لإبراز ما تحققه من إنجازات نوعية رأينا أبرزها في (التقرير السنوي لـ رؤية السعودية 2030 لعام 2024) الأخير الذي تناول إنجازات برامج ومبادرات الرؤية منذ انطلاقتها.
تقرير قطاع الإعلام السنوي رصد أهم التحولات الأساسية للإعلام في ستة مجالات، وهذا التحول الواسع الذي تقوده الوزارة لرفع مستوى القطاع، يضع عليها تحديا وطنيا لـ(تنمية الكوادر الوطنية) وإعدادها وتأهيلها حتى تقود هذه التحولات.. والأهم حتى تستفيد من فرص الاستثمار والعمل التي يوفرها القطاع حتى يكون (خيره، وخير بلادنا) لأبنائنا وبناتنا. هذا المستهدف العظيم هو الذي يجعلنا نسعد بالإنجازات التي يحققها القطاع، وأيضا يجعلنا ندرك حجم التحدي الذي يواجهنا، ويواجه قيادات الوزارة والقطاع.
وزارة الإعلام في المملكة نطاق عملها واسع وتتولى أمورا عديدة، فهي تتولى مسؤولية وضع السياسات والاستراتيجيات التي تنظم وتدعم القطاع، وتشمل مهامها الأساسية عدة محاور رئيسة:
الإشراف والتنظيم: تهدف الوزارة إلى ضمان عمل المؤسسات الإعلامية وفق معايير مهنية وأخلاقية عالية، مما يعزز المصداقية والجودة.
تطوير البنية التحتية: تسعى الوزارة إلى تحديث التقنيات والبنية الرقمية للإعلام، لتتماشى مع التطورات العالمية.
تشجيع الابتكار: من خلال دعم المبادرات والاستثمارات في الإعلام، تعمل الوزارة على تعزيز التنوع الاقتصادي.
تنمية الكوادر: تركز الوزارة على تأهيل وتدريب العاملين في القطاع، لضمان وجود جيل إعلامي قادر على قيادة إعلام المستقبل.
هذه الأهداف الطموحة -إذا تكاتفت الجهود مع الوزارة- سوف تؤدي إلى تحويل الإعلام السعودي إلى رافد اقتصادي وثقافي يعكس الهوية الوطنية ويحميها، ويجعل الإعلام مظلة داعمة ومعززة لهوية الدولة والمجتمع، وحامية لمقومات الأمن الوطني والسلام الاجتماعي.
والتأثير الإيجابي للحراك الحكومي في نطاق الإعلام السعودي نلمس ثماره في مجالات عديدها رصدها وأبرزها تقرير الإعلام، وهذا يعزز قناعاتنا الإيجابية عن المسار الذي يتجه إليه إعلامنا الوطني. لقد أثمرت جهود وزارة الإعلام عن إنجازات ملموسة تعكس دورها الإيجابي في تطوير القطاع، ومن هذه الإنجازات:
النمو الاقتصادي: جاء في التقرير أن مساهمة الإعلام في الناتج المحلي الإجمالي ارتفعت إلى 0.57 %، أي ما يعادل 16 مليار ريال سعودي، مما يظهر دوره المتزايد في دعم الاقتصاد الوطني.
فرص العمل: شهد القطاع زيادة كبيرة في عدد الوظائف، حيث وصل إلى 67 ألف وظيفة في 2024، بنمو 22 % عن العام السابق، مع خطط للوصول إلى 160 ألف وظيفة بحلول 2030.
الشراكات الدولية: عقدت الوزارة شراكات مع شركات عالمية مثل جوجل وهواوي، مما عزز القدرات التقنية وساهم في نقل الخبرات والابتكارات إلى السوق المحلية.
تحديث البنية الرقمية: تم تحسين الخدمات الإعلامية الرقمية، مما ساهم في تقديم محتوى عالي الجودة ينافس على المستوى العالمي.
هذه الإنجازات توضح التزام الوزارة بتحقيق رؤية 2030 التي تهدف إلى جعل الإعلام السعودي منصة متطورة تعكس التقدم الذي تشهده المملكة في مختلف المجالات. ويبقى التحدي الأكبر للوزارة ولنا جميعا، وهو: تنمية الموارد البشرية، الركيزة الأساسية للقطاع. وإدراكاً من الوزارة بأن الإنسان هو محور التطوير، ركزت على بناء كوادر إعلامية مؤهلة من خلال مبادرات وبرامج مبتكرة، مثل:
الأكاديمية السعودية للإعلام: أطلقت الوزارة هذه المبادرة لتدريب الشباب السعودي على أحدث تقنيات الإعلام، مثل الإنتاج المرئي والمسموع، التحرير الصحفي، والتسويق الرقمي. تهدف الأكاديمية إلى إعداد جيل جديد من الإعلاميين المحترفين القادرين على المنافسة عالمياً، مع التركيز على تمكين الشباب والنساء في هذا المجال.
برامج التدريب المتقدمة: تقدم الوزارة دورات متخصصة بالتعاون مع خبراء محليين ودوليين، تغطي مجالات مثل صناعة المحتوى، التصوير، واستخدام التكنولوجيا الحديثة في الإعلام. هذه البرامج تهدف إلى صقل المهارات وتلبية احتياجات سوق العمل.
الشراكات الأكاديمية: تعمل الوزارة مع الجامعات المحلية والمؤسسات الدولية لتوفير برامج تعليمية عالية الجودة، مما يساهم في رفع كفاءة العاملين في القطاع وإعدادهم لمواجهة التحديات المستقبلية.
هذه المبادرات تؤكد على رؤية الوزارة وسعيها للاستثمار بالعنصر البشري كأساس لتحقيق الاستدامة والريادة في الإعلام. فتمكين الشباب وتزويدهم بالمهارات اللازمة، هو الضامن لاستمرار التطور وتعزيز القدرة التنافسية للإعلام السعودي.
ويبقى السؤال: ماهي التحديات والطموحات المستقبلية؟
طبقا للتقرير، يواجه قطاع الإعلام تحديات مثل مواكبة التقنيات المتسارعة والمنافسة الإقليمية والعالمية. ومع ذلك، فإن استراتيجية وزارة الإعلام تركز على تحويل هذه التحديات إلى فرص، من خلال تعزيز الابتكار وتطوير الكوادر البشرية. وتطمح الوزارة إلى أن يصبح الإعلام السعودي منصة عالمية تنقل صوت المملكة وتعزز حضورها الثقافي والاقتصادي في المحافل الدولية.
بقي القول إن تقرير (حالة قطاع الإعلام السعودي وفرصة الاستثمار 2024) كان موفقا وجهدا مهنيا من الهيئة العامة لتنظيم الإعلام، وما تضمنه من أرقام وإنجازات يجعلنا نرفع سقف الطموحات والتطلعات. وزارة الإعلام عادت بقوة لتكون المُمكن والعمود الفقري لتطوير الإعلام السعودي. عندما تم إعادة هيكلة القطاع وتم إنشاء الهيئات الجديدة قبل ست سنوات توقعنا انحسار دور الوزارة والاكتفاء بدور المنسق للقطاع مع الأجهزة السيادية التنفيذية والتشريعية، ولكن حجم التحديات والتعقيدات التي ظهرت في البيئة الإعلامية والتواصلية ودخول تطبيقات الحروب الثقافية وصراع الهويات، أعادت الأهمية السيادية للإعلام.
ومع استمرار هذه الجهود، بحول الله سوف يكون الإعلام السعودي لاعباً رئيساً على الساحة العالمية، معززاً لمكانة المملكة كمركز للإبداع والابتكار الإعلامي. وحفر فرص الاستثمار في الإنسان وفي التكنولوجيا هو المُمكن لتحقيق هذه الرؤية الطموحة. وكل التقدير للزملاء على جهودهم إخلاصهم.