د. محمد بن أحمد غروي
بفضل الله أولاً، ثم بفضل قادة المملكة وسواعد أبنائها، تلامس «رؤية السعودية 2030» اليوم أهدافها الكبرى، بنسبة إنجاز تجاوزت 93 %، مع اقتراب الكثير من المؤشرات من تحقيق مستهدفاتها ما بين 85 و99 %، وتحولت الرؤية خلال تسعة أعوام، حلم مستقبلي إلى واقع مُعاش يصنع التاريخ، ويرفع سقف الطموحات الوطنية إلى آفاق غير مسبوقة.
وإذا كانت الرؤية قد أسرت قلوب السعوديين وألهمت العالم العربي، فإن صداها لم يتوقف هناك، بل امتد إلى دول جنوب شرق آسيا، حيث يُنظر إليها بإعجاب وتقدير بالغين، باعتبارها نموذجًا ناجحًا للتخطيط الاستراتيجي والتحول الوطني، خاصة في ظل بيئة دولية مضطربة تتطلب تبني استراتيجيات مرنة وشجاعة.
بلغت العلاقات بين المملكة ودول آسيان ذروتها بعقد قمة آسيان - مجلس التعاون الخليجي في الرياض عام 2030، التي أكدت تطلع المملكة للعب دور «جسر إستراتيجي» بين الكتلتين، انسجامًا مع فلسفة الرؤية في بناء تحالفات متنوعة قادرة على التعامل مع عالم تتسارع فيه التحولات الجيوسياسية والاقتصادية. خلال هذه القمة، كان لافتًا متابعة قادة دول آسيان الدقيقة لمسار رؤية المملكة، ليس فقط بعيون اقتصادية، بل أيضًا برغبة واضحة في الاستفادة من ديناميكيات التغيير التي صنعتها.
ماليزيا ترأست رابطة آسيان عام 2024، وكانت من أوائل الدول التي عبرت رسميًا عن دعمها لرؤية المملكة. خلال زيارة رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم إلى الرياض، وصف المملكة بأنها «الشريك الأول لماليزيا في الشرق الأوسط»، مؤكداً رغبة بلاده في الاستفادة من المبادرات السعودية الجديدة، خاصة في مجالات الاستثمار، والمعرفة، والاقتصاد الجديد. كما أعرب وزراء ماليزيون عن إعجابهم بنجاح الرؤية في تنويع الاقتصاد وتطوير السياحة والرياضة، مشيرين إلى أهمية الاقتداء بالنموذج السعودي. فيما عبّرت إندونيسيا، الدولة الأكبر في آسيان، عن طموحها الجاد لأن تكون جزءًا من رحلة نجاح «رؤية 2030»، خصوصاً في مجالات الاقتصاد الرقمي والطاقة المتجددة. العلاقات الاقتصادية بين الرياض وجاكرتا مرشحة للارتفاع بفضل توافق أجندات الطرفين. ورأت تايلاند في رؤية المملكة فرصة كبرى تتقاطع مع أجندتها الوطنية للتنمية المستدامة، خاصة عبر مبادرات «السعودية الخضراء» و»الشرق الأوسط الأخضر»، اللتين تعززان التعاون في مجال التحول للطاقة النظيفة والاقتصاد الأخضر. من أكثر الدول التي تفاعلت بجدية مع الرؤية، حيث أبدى رئيس الوزراء الفيتنامي إعجابه بالتقدم السعودي، مؤكدًا أن الرؤية تمثل بوابة لرفع مستوى التعاون التجاري إلى مستويات تاريخية، مستهدفًا زيادة التبادل التجاري إلى 10 مليارات دولار بحلول عام 2030.
خلال لقاء رئيسها مع ولي العهد السعودي، أبدى ماركوس جونيور استعداد بلاده للشراكة مع المملكة، خاصة في مجالات الطاقة النظيفة، مما يعكس تطلع مانيلا لأن تكون شريكًا محوريًا في تحقيق مستهدفات الرؤية.
كررت سنغافورة إشادتها برؤية 2030، معتبرة أن تركيز المملكة على الطاقة النظيفة والاقتصاد الرقمي يفتح آفاق تعاون استراتيجي واعد، خصوصاً مع اهتمام الشركات السنغافورية بفرص الاستثمار في السعودية.
الرؤية ومفاهيم الالتقاء الاستراتيجي
ما يميز المشهد هو أن طموحات رؤية 2030 تتقاطع مع توجهات خطط التنمية لعدد كبير من دول آسيان، خاصة في: التحول نحو الطاقة النظيفة، ودعم الاقتصاد الرقمي، وتعزيز الابتكار والتحول الصناعي، وتنويع القاعدة الاقتصادية بعيدًا عن القطاعات التقليدية، إضافة إلى تحسين جودة الحياة والصحة العامة.
هذا الالتقاء في الأهداف يخلق أرضية صلبة لتعزيز التعاون بين المملكة ودول آسيان ليس فقط تجاريًا، بل معرفيًا وتقنيًا، خصوصًا مع امتلاك آسيان خبرة رائدة في مجالات مثل الضيافة والصناعات الخفيفة والتقنيات الرقمية.
من المنتظر أن تكون القمة المرتقبة بين دول آسيان ومجلس التعاون الخليجي التي ستعقد في ماليزيا الشهر المقبل، نقطة انطلاق جديدة لتعزيز التعاون المتبادل. حيث يمكن لدول آسيان أن تستلهم من تجربة المملكة في بناء نموذج اقتصادي متنوع ومرن، بينما تستفيد المملكة من الخبرات الآسيوية المتقدمة في التصنيع والتكنولوجيا.
في اعتقادي، أن خير رؤية المملكة لم يتوقف عند حدودها الجغرافية، بل أصبح يلامس الأرخبيل الآسيوي ويغذيه بالأمل في نماذج تحول وطنية ناجحة وقابلة للتكرار، إنه زمن الشراكات الذكية، وزمن الرؤى العابرة للقارات، التي تتجاوز مجرد التجارة، إلى بناء مستقبل مشترك قائم على التنمية المستدامة والشراكة الحقيقية.