العقيد م. محمد بن فراج الشهري
أصبح العالم الحديث متوحشاً متراجعاً إلى أقصى الحدود إلى الماديات متناسياً عوامل الحياة الرئيسية وأهمها الإنسان الذي يعيش على هذه الأرض.. عدنا إلى العصور الوسطى وعصور الظلام، ونحن في زمن غزو الفضاء والتنافس على الاختراعات التي تحاول بكل الوسائل طمس معالم الإنسان وأنها دورة في الحياة حتى لو كانت ترتدي لباس التقدم والحضارة.. ما يجري في فلسطين وفي غزة بالذات لا يشعر الإنسان بأن هناك تقدماً أو حضارة بل يشعر بالهمجية والغوغائية، ورفض القوانين بشكل مستمر وهو ما يمثله الكيان الصهيوني بكل المعايير.. لقد تعدى نتنياهو ما قام به هولاكو، وجنكيز خان، وهتلر، وغيرهم من مجرمي العصور السابقة والذي حققه بفضل الغطاء الأمريكي الذي جعله يتصرف كأنه الحُر الوحيد في العالم ثم بفضل «حماس» وما قدمته من خدمات جليلة لإسرائيل والزمرة الحاكمة فيها.. لقد ارتكبت خطأً شنيعاً لن يغفره التاريخ لها ولا الفلسطينيون الذين شردوا في العراء دون مأوى أو حتى لباس.
نعم... أقولها بكل وضوح ما ارتكبته حماس يتساوى مع ما ارتكبه الكيان الصهيوني حيث إنها تسببت في قتل أكثر من 60 ألف ومثلهم جرحى ومعدومي الأطراف والآلاف تحت الأنقاض.. وأطفال غزة فقدوا أسرهم إضافة إلى من دفنوا تحت الأنقاض منهم، كل ذلك بفضل عنتريات حماس، ومن سار في ركبها.. لم يحصل في أي عصر من العصور ما يحصل لأهالي غزة عياناً بياناً، من تشريد، تهجير، قتل، تدمير، ومن يشاهد الأفواه الجائعة وهي تبحث عن لقمة العيش يعصره الألم والحسرة لما يشاهده من مناظر وكل ذلك أمام العالم الذي يدعي التحضر والإنسانية، وأمام هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن وكافة المنظمات والدول التي تدعي السلام والإنصاف، ما فائدة أن تتبرع الدول الأوروبية إلى غزة إذا كانت هذه التبرعات والمساعدات ترفض إسرائيل إدخالها؟ ما فائدة المعونات التي ترسل إلى غزة بعد أن يموت أهلها؟ يا لها من جريمة في حق الإنسانية ويا له من خنوع دولي تتحكم فيه دويلة محتلة وتعبث بكل ما هو إنساني. المجرم الأشر نتنياهو لم يترك وسيلة من وسائل القتل والتدمير إلا وقام بها، وسكان غزة لم ينعموا بالنوم ليلة واحدة في أماكنهم، ففي كل يوم يقوم بترحيلهم من مكان إلى مكان تحت نيران أسلحة الجيش الهمجي الإسرائيلي.. إضافة إلى من مات جوعاً ولم يجد ما يسد رمقه، فالجوع وفق التعريفات الطبية يعرف بأنه الحاجة إلى الطعام أو الحالة التي لا يمتلك فيها الجسم ما يكفي من الغذاء، فالجوع إحساس جسدي غير مريح ومؤلم للغاية وهذه المؤشرات جميعها متوافرة في قطاع غزة وهي توكد حالة «المجاعة الكبرى» وهي واضحة أمام العالم بأكمله.. إذ إن خطر المجاعة المضاف للقتل والترحيل والوضع الإنساني الكارثي في غزة تؤكده التقارير الدولية، التي أكدت أن السكان اضطروا من أجل شراء طعام إلى بيع ملابسهم، وإلى جمع النفايات لبيعها، كذلك تقول المنظمات المعنية إن أكثر من نصف السكان لا طعام لديهم، ويقضي أكثر السكان أياماً وليالي كاملة دون أي طعام. وكل هذا وفق تقارير دولية محايدة. وهذه ركيزة سياسة التجويع الممنهج، التي بدأت منذ تدمير مباني منظمة الأونروا، وملاحقة من يحاول طبخ الطعام للجياع في غزة، ومنها مقتل فريق منظمة المطبخ المركزي العالمي بغارة إسرائيلية في غزة، مما يؤكد أن سياسة التجويع ممنهجة، وتعتمد إسرائيل سياسة عقابية للسكان لإجبارهم على النزوح والخروج إضافة إلى إغلاق جميع المعابر المؤدية للقطاع، التتستخدم لنقل المساعدات الإنسانية والغذائية، مما تسبب في قطع شرايين الحياة التي كانت تزود القطاع المنكوب بالغذاء والوقود والدواء وحتى المياه، وبعيداً عن توظيف الحدث سياسياً لصالح أي طرف أو تسويق لـ «بطولات» غير واقعية، يبقى القمع الوحشي لإسرائيل وتجاهل المدنيين الذين أصبحوا ضحايا بين الطرفين دون أدنى احترام لقواعد الاشتباك، وهو العنوان الغائب في الإعلام، في ظل صمت عالمي غير مسبوق تجاوز المعقول، لدرجة أن فرنسا منعت التظاهر تعاطفاً مع غزة في بلد الجمهورية الأولى في العالم، بلد إعلان حقوق الإنسان، كما أن العالم بأكمله هذه الأيام أصبح ينام كثيراً وكأنه لا يشاهد الأحداث المميتة والمجاعة القاتلة, والتهجير القسري، ومنع دخول المساعدات إلى أهالي غزة.. إنها جريمة يحاسب عليها كل المجتمع الدولي، وعليه أن يتحمل مسؤولياته وإلا فسيعيش العالم كله دماراً شاملاً لكل ما هو إنساني، وتبقى إسرائيل وحدها تعبث بالعالم كله دون حساب أو عقاب أو ردع في ظل النظام الأمريكي وتهاون الدول الكبرى وإنهاء صلاحيات مجلس الأمن.