د. غالب محمد طه
لقد كنت أتساءل منذ أن تعرفت على الرؤية السعودية كاستراتيجية وطنية: هل يمكن لخطة طموحة أن تتحول إلى واقع يلامس حياة المجتمع؟ وهل تمتلك هذه الرؤية القدرة على تغيير مصير أمة وتحقيق دور محوري لها في التوجهات العالمية الجديدة؟
هل يستطيع العقل العربي أن يبهر العالم من جديد، كما فعل قبل ألف عام، حين كان منارة للعلم والحضارة؟ هل سنثبت للعالم أننا نملك الإرادة والخيال والقدرة على تحقيق الأحلام؟
كانت هذه الأسئلة تتزاحم في رأسي، وأنا أتابع هذا الملف الاستراتيجي الضخم، بين مشفق تارةً من ضخامة التحدي، وحالم تارةً أخرى بما يمكن أن يصنعه إيمان الإنسان بنفسه وبثقته في قيادته.
حرصي ومتابعتي لهذه الرؤية كان ينبع من قناعتي الراسخة بأن نجاح هذه الرؤية لن ينعكس فقط على السعودية، بل سيمتد أثره إلى سائر العالمين العربي والإسلامي.
واليوم، وأنا أطالع التقرير السنوي لرؤية 2030 لعام 2024، تأكدت بما لا يدع مجالًا للشك من قدرة الإنسان على التعمير والانطلاق.
أليس هذا الإنسان هو القادر على تحمل التحديات الكبرى، مستندًا إلى معرفته وإيمانه بقدرته على التغيير والتطور؟ أليس هو من يستطيع، إذا أراد، أن يحقق المستحيل، مستندًا إلى قيمه ودينه وموروثه الحضاري؟
لن أتوقف كثيرًا عند المنجزات المادية للرؤية، فهي باتت بالضرورة معروفة للجميع.
لكن ما يثير الإعجاب بعمق هو النجاح الباهر الذي شهده قطاع السياحة في تشكيل صورة جديدة للمملكة على المستوى الدولي.
ومع تعدد المؤشرات التي تثبت نجاح رؤية 2030 وتحققها قبل أوانها، إلا أنني أقف اليوم أمام إنجاز يعكس قوة الإرادة وعبقرية التخطيط: تحقيق المملكة لحاجز المائة مليون سائح. هذا الرقم المبهر لا يُعد مجرد نجاح سياحي، بل يُجسد تجربة إنسانية وإدارية فريدة تستحق البحث والتأمل.
إنه يعبر عن القدرة على تحقيق ما يبدو مستحيلًا في نظر البعض، ويؤكد للعالم أن الرؤية ليست فقط خطة طموحة، بل واقع ملهم يُترجم الأحلام إلى أرقام ومعاني تحكي قصة نجاح. لقد شهد قطاع السياحة تحولًا نوعيًا جعل المملكة تتصدر دول مجموعة العشرين من حيث النمو السياحي، مما يعكس تقدمًا لافتًا في الصورة العالمية للسعودية كدولة حديثة ومتطورة.
وفي مجال العمرة، حققت المملكة إنجازًا غير مسبوق، حيث بلغ عدد المعتمرين 16,92 مليون معتمر، متجاوزة مستهدف العام الذي كان 11,3 مليون معتمر. هذا الرقم التاريخي لا يعكس فقط حجم الاستقبال، بل يعكس أيضًا قدرة المملكة الفائقة على إدارة الحشود بكفاءة عالية، مما يضع السعودية في مكانة رائدة عالميًا في هذا المجال.
لكن ما يلفت النظر حقًا هو مخرجاتها الفكرية وممكناتها الحضارية؛ فقد نجحت الرؤية في ترسيخ معاني الاستدامة في الفكر والعمل، وأصبحت التنمية ليست مشاريع فحسب، بل ثقافة عامة وحالة شعورية يعيشها الجميع.
ما تحقق حتى الآن هو بداية مسيرة أطول وأعظم، لأن الحلم لا يتوقف عند حدود.
رؤية المملكة 2030 علمتنا أن الزمن العربي الجميل ليس مجرد ماضٍ نأسف عليه، بل هو أساس لمستقبل نبتكره اليوم بإرادتنا وعقولنا وقلوبنا، فنحوّل التاريخ إلى مصدر إلهام لبناء الغد.
اليوم، أكثر من أي وقت مضى، نحن بحاجة إلى أن ننظر لما يحدث هنا في قلب الجزيرة العربية لا كمراقبين، بل كمشاركين في الحلم والتجربة والإنجاز.
لقد أصبح الطريق واضحًا: الإيمان بالإنسان، بالعلم، بالعمل الجماعي، بالاستثمار في الطموح والأمل.
وإذا كانت المملكة قد حققت هذه الخطوات الجبارة في أقل من عقد، فما الذي يمنع بقية الأوطان العربية من أن تُطلق رؤاها، وتخوض مغامراتها، وتكتب قصتها الخاصة في كتاب الحضارة الإنسانية؟
إنها رسالة تتجاوز حدود الجغرافيا إلى كل أمة تسعى نحو التغيير: «نحن نستطيع، بشرط أن نؤمن بأنفسنا أولًا، وأن نثق بقدرتنا على التحول.»
نحتفل اليوم مع المملكة بما حققته رؤية 2030 من منجزات عظيمة تشهد على قوة الإرادة، وصدق الطموح، وعمق الإيمان بقدرات الإنسان السعودي وكل من يعيش على هذه الأرض المباركة.
لقد أثبتت المملكة للعالم أن الحلم، عندما يُقترن بالإيمان والعمل الجاد، يصبح واقعًا ملموسًا ينبض بالحياة، ويجسد طموحًا لا يعرف المستحيل. وبينما نستشرف ما ستقدمه الأعوام القادمة، يبقى الإيمان بالإنسان، والعلم، والعمل الجماعي، حجر الزاوية لمسيرة التنمية المباركة.
من قلب الجزيرة العربية، تواصل المملكة نشر رسالة أمل تنبع من داخلها وتتخطى حدود الوطن، رسالتها تقول: «المستقبل يبدأ من هنا، والإنجاز لا يعرف حدودًا أمام إرادتنا.»
وختامًا، أتقدم بالتهنئة الخالصة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، وللشعب السعودي الكريم، ولكل المقيمين الذين شاركوا هذا الحلم وساهموا في تحقيقه.
كمقيم على هذه الأرض المباركة، أشعر بالفخر لما تحقق، وأترقب بإيمان وأمل ما ستسطره الأعوام القادمة حتى عام 2030، لصناعة مستقبل يليق بهذا الوطن العظيم.