عبدالمحسن بن علي المطلق
من المسلّمات اللواتي لا واشٍ حولها، أو جدال في ساحها (جمّ) من النصوص الشرعية أنبأت عمّا للوالدين من قدرٍ، ومن ذالكم تبعاً برّهما، بالذات ما اكتنزناه حين تظافرت في ثقافتنا، حتى أمست كالوشم الذي لا ولن يُمسح، ثم ليس البغية حِفظ تلك النصوص عن ظهر قلب وحده، بل ووعي لها حين تُثمر (التطبيق) لها، فهنا نجدنا أن آخر ما نحتاجه جلب لنصوص الشعر أو النثر في حمدٍ لذلك، وما بتلكم من عطاءات مستفيضة.. لا يكاد يخطئ (ارتشافاً) منها أحد، وهذا ما يدلّ على أن ديننا والحمد لله أولى جانب هذا المهم ما لا حاجة (إلا لجاجة) مُحاجّة عند الصدور من نبع هو العذب القراح.
ثم (إن زدت) ولا مواربة بهذه والتي استساغ التربويون نحلها، أعني (التكرار).. كما هو العنوان، وما عُهد عند العرب ونَهج أهل التربية منحاه، وقد آتى أُكله أن يعمدوا وجهته، وغالب غرضهم الوعي، فما يتكرر بالذهن استقرّ.
وأخصّ ما استبقت له النصوص الشرعية، منذُ صُدّرت بـ{وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} (23) سورة الإسراء، ففي الدلالة «إقران» حقهما بحقّه العظيم سبحانه، وأما من السّنة نص جواب لمن (أولى الناس بالصحبة)، كانت الأم، بل وخصّها صلوات ربي عليه والسلام بثلاثة أرباع الحقوق، أي استحوذت على الحظّ الأوفر، كتأكيد، مما لا حاجة بعدُ لأن أذكر نصوص ترفد، فالإيجاز هنا أولى -لي-.
وهنا ملحوظة- لعلها لا تتجاوز قدر بعوضة، أن التوجيهات التربوية يُكتفى بتصديرهنّ رؤوس أقلام من الوحيين الكتاب والسنّة، لأن غالب الشواهد والحمد لله بلغت من الرسوخ في وعينا الداخلي، لأذكر شفيعي بهذه لابن عثيمين -رحمه الله- حين طرح كتاباً عمد (بعدها) لإيجازه، مُعلالاً (عسى السواد يتشجّع لقراءته).. وهذا التعليل إن حدث لهو أكثر ما يُفرح المؤلِّف- أي مؤلِّف-.. وليس أي شيء آخر يعدل هذا عنده، فعندها يكون عطاؤه إن لم يتفاعل معه القارئ فعلى الأقل يكون أدّى ما يرضي عنه المولى يوم يُسأل (... وعن علمه ماذا عمل به)، لأن القاعدة في رسالات الأنبياء منضوية، تحت {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} (18) سورة العنكبوت، ومعقود عليها جملة من النصوص مشابهةً، وألهمت هذه الآية ومثيلاتها قول الألباني -رحمه الله- : (طالب الحق يكفيه دليل، وصاحب الهوى ليس لنا عليه سبيل)..
(ترحل) اليوم إحدى الغاليات، حرم ابن العم عبدالمحسن الصالح، والدة (الشيخ) محمد بن عبدالمحسن بن صالح بن محمد المطلق رحم الله الجميع، وهنا أُثنّي بخطابي -مواساة- لخطب ما حلّ بكلّ ذريتها.. الذين جميعهم ذاقوا وعلى (السواء) وقع ألم الفقد، وجراح البُعد، أحل، وما يدريك عن ملامس وجود الأم.. أن بعض ما تراه من وقايةٍ (في مواقف) تنجو منها، لهي كـ(الكرامة) من الله، أقول بها هامساً لا جزماً، أو تنبيهاً - لك-، أو هناك أمّ.. لا تفتر عن الدُعاء لك، فلا أجد منطقي بعدُ إلا ويُتبع إن..
وفي الليلة الظلماء يُفتقد البدر
لأنها في أُسرتي من بين طوالع البدور، وتحديداً في التربية، إقراراً بقدرها الباسق (حصّة بنت إبرهيم المسند)، فهي - بالمناسبة- والشيخ عبدالعزيز المسند -رحمه الله- ذرّية بعضها من بعض، فرحمها الله برحمته الواسعة، وكذا أُزجي بمعلومة مسرَّبة (أقصد لا يرضى عن ذكرها الشيخ محمد..) أنّه سلّمه المولى تعالى بذل معي جُهداً لم أستطع تغافله.. في إشفاقه على جُهدي، ومراجعات منه لكتابي «21 نصيحة» للشباب.. -طُبع عام 1429 هـ - مُثبتاً له هذا، ومُزجياً شكري، منتهزاً فرصة خصّه بالتقدير فالعزاء له ولإخوانه والأخوات رحيل أمهم (حرم) مقام العم الطيّب/ عبدالمحسن الصالح- زوجها- الذي مضى لرحمة ربه قبل فترة ليست بالقليلة، عاهداً إيّاها إتمام الرسالة، فكانت لذاكم أهلاً، ثم أهلية الثناء على أحد فرادى جبلٍّ حمل عبء التربية في حُقبةٍ ملئها أثقال، والدليل أن تقنيات كثيرات بين يدينا لم تبلغهم يومها، فلم يتبرّموا أو يتضجّروا، كحال سوادٍ جيلنا.. الذي بصراحة يكفي مجرّد ضعف النت (لا انقطاعه).. تلفاه قد ضرب أخماساً بأسداس! يا تُرى ما البال يكون! لو انقطعت الكهرباء عُشر ما كانت تجري على أولئك، وأمثالها أحوالٍ..يومئذ؟!
وأزيد بـ كيف لو مسّهم مما أَرهق أولئك صعودا في محاولات جذلى جراء حالة قلّ به ما بين أيديهم من مُقدرات تناوئ لبلوغ رسالة جليلة.. لولا أن كانوا نِعم الأهل لها، فكان لهم ذلك ولم يشنأهم تقصير، وهذا بفضل المولى تعالى.. (عليهمُ) لوصولها برّ الأمان، على أنهم لم يجحدوا ربهم ثناء وما ماسّهم لغوب.. اجتهاداً قبل الركون اطمأناً لصواب المنهج الذي توجهوا تلقاءه حتى أينع الثمر الذي زرعوه، ومن ثمّ قطفوا..
فرحم الله (أم محمد)، وعسى لك ما عند ربك هو خيرٍ مما تركتِ، وأحلّك داراً غير بوار.. من (نعيمٍ) مُقيم.