أ.د.صالح معيض الغامدي
لا شك أن كل كاتب سيرة ذاتية يصدر في كتابة سيرته عن تصور نظري معين حول ماهية السيرة الذاتية وشروطها ودوافعها والكيفية التي ينبغي أن تكتب بها، سواء أكان واعياً بذلك أم لا، أثناء الكتابة.
وقد لاحظت أن ثمة قدراً من الملحوظات النقدية القيمة التي يطرحها كتَّاب السيرة الذاتية السعوديون وهي جديرة حقاً بالدراسة. وغالباً ما يُطرح كتَّاب السيرة الذاتية هذه الملحوظات في مقدمات سيرهم الذاتية، وقد يرد بعضها في ثنايا سيرهم أيضاً.
ومما يلفت الانتباه أن حضور القضايا السيرذاتية في هذه السير يكون حضوراً متفاوتاً من كاتب إلى آخر في الكم والنوع. فبعضهم قد يكتفي بإيراد إشارات عامة، بينما نرى الآخرين يسهبون في ذلك.
ويمكن تقسيم هذه الآراء التي يطرحها كتاب السيرة الذاتية إلى نوعين: آراء مؤلفة وآراء مقتبسة. فالآراء المؤلفة هي التي تعكس رؤية الكاتب الشخصية للسيرة الذاتية وموقفه منها بوصفها جنساً أدبياً له سمات معينة ينبغي أن يلتزم بها، حتى وإن لم يشاركه الآخرون فيها، أو في بعضها على الأقل، ولعلنا نشير هنا إلى شرطين نراهما يترددان كثيراً وهما اشتراط أن تكون السيرة الذاتية مكتوبة بأسلوب أدبي عال، وأن تصور السيرة المجتمع الذي يعيش فيه الكاتب تصويراً صادقاً.
والآراء المقتبسة هي الآراء أو المقولات التي يقتبسها بعض كتاب السيرة الذاتية من غيرهم، مثل النقاد أو كتَّاب السيرة الذاتية الآخرين، ويتبناها بوصفها حقائق واشتراطات نهائية غير قابلة للمناقشة.
ويمكن أن تساعد هذه الملحوظات النقدية التي يطرحها كتَّاب السيرة الذاتية في سيرهم القراءَ بشكل عام والنقاد منهم بشكل خاص على تحليل سيرهم الذاتية تحليلاً قوياً مقنعاً إلى حد كبير، وربما أضاءت كثيراً من قضايا السيرة الذاتية مثل الحذف والإثبات والحقيقة والاختلاق، والذاتي والغيري ... إلى آخره.
ويمكن تصنيف هذه الملحوظات النظرية والنقدية التي يطرحها كتَّاب السيرة في أربعة أنواع أو حقول عامة: فثمة أولاً الملحوظات المرتبطة بمفهوم السيرة الذاتية من منظور كتَّابها، وعادة ما يتم ذلك بمقارنتها بأجناس أدبية أخرى كالرواية مثلاً. وهناك ثانياً الملحوظات المتعلّقة بدوافع كتابة السيرة الذاتية، والتي غالباً ما تأتي عند هؤلاء الكتاب متعددة ومتنوعة وذات طابع تسويغي. أما ثالثاً فثمة الملحوظات المرتبطة بموقف الذات من نفسها ومن المجتمع المحيط بها. وفي هذا النوع من الملحوظات يتضح التفاوت في تركيز الكتَّاب، فبعضهم يرى أن التركيز ينبغي أن ينصب على سرد التجارب الشخصية للكاتب بالدرجة الأولى، وبعضهم يرى أن التركيز ينبغي أن ينصب أكثر على تصوير المجتمع الذي يعيش فيه الكاتب، وقليلاً ما نرى منهم من يدعو إلى موقف معتدل يجمع بين الموقفين.
أما رابعاً أخيراً، فهناك الملحوظات المرتبطة بمحاولة الكتَّاب توجيه القراء المحتملين لسيرهم الذاتية إلى الطريقة التي ينبغي أن تُقرأ بها سيرهم، إما طلباً لمساعدتهم في فهم سيرهم، وإما خوفاً من سوء قراءتهم وتأويلاتهم إياها!