عبدالله صالح المحمود
لم يكن لقاء وزير الإعلام السعودي، سلمان الدوسري، في برنامج الليوان مجرد استعراض لواقع الإعلام المحلي، بل قدّم رؤية متكاملة لمستقبله، مسلطًا الضوء على التحديات والفرص في ظل التحولات الرقمية المتسارعة، ودور الصحافة في التنمية الوطنية، والتوازن بين الحرية والمسؤولية، فقد أكد الوزير أن الإعلام السعودي تجاوز دوره التقليدي كأداة ترويجية، ليصبح قوة مؤثرة في تشكيل الرأي العام ونقل الحقائق بموضوعية.
وشدد على أن القيادة السعودية، وعلى رأسها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لا تطالب الإعلام بـ»تجميل الواقع»، بل بتقديم صورة صادقة تستند إلى الحقائق بعيدًا عن التلميع والمبالغة.
وتطرّق الوزير إلى مفهوم «الحرية المسؤولة»، مؤكدًا أن المملكة تؤمن بأهمية الانفتاح الإعلامي، ولكن في إطار يضمن المهنية والموضوعية بعيدًا عن الإثارة. وهنا يبرز التحدي الأكبر: كيف يمكن للصحافة السعودية تحقيق التوازن بين النقد البناء والالتزام بالمعايير المهنية والوطنية؟
وليس التحدي في وجود قيود مباشرة، بقدر ما هو في إعادة تعريف دور الإعلاميين أنفسهم، لا يزال بعض الصحفيين مترددين في تجاوز الأساليب التقليدية إما لعدم وضوح الخطوط الفاصلة بين النقد والتجاوز، أو بسبب اعتيادهم على الصحافة الترويجية أكثر من الصحافة التحليلية العميقة.
ولم يعد التحدي في «موت الصحافة الورقية»، بل في قدرة الصحفي على البقاء في عصر الإعلام الرقمي. فالتحولات التقنية لم تلغِ الحاجة إلى الصحفي المحترف، لكنها فرضت عليه التكيف مع متغيرات الصناعة الإعلامية، ليكون باحثًا، ومحللًا، وصانعًا للمحتوى بأسلوب جذاب ومنافس.
وفي الوقت الذي تمتلك فيه المملكة إحدى أقوى المنظومات الإعلامية في العالم العربي، يبقى الرهان على جودة المحتوى لا على عدد المتابعين فقط. إذ إن انتشار المنصات الرقمية فتح المجال أمام الأخبار السريعة وغير المدققة، مما يجعل الصحافة التقليدية أمام تحدٍ حقيقي: كيف تحافظ على مصداقيتها وسط طوفان المعلومات المتدفقة بلا ضوابط؟
إذاً فإن رؤية وزارة الإعلام تتطلب تحولًا في طريقة عمل المؤسسات الإعلامية، من نموذج تقليدي يعتمد على نقل الأخبار إلى نموذج أكثر تطورًا يعتمد على:
* تعزيز الصحافة الاستقصائية لرفع جودة المحتوى وتحقيق المصداقية.
* الاستثمار في تدريب الإعلاميين لمواكبة التحولات الرقمية.
* تعزيز الإنتاج الإعلامي الرقمي ليكون أكثر تنافسية عالميًا.
على أن مستقبل الإعلام السعودي مرهون بقدرة العاملين فيه على إعادة تعريف أدوارهم في ظل هذا المشهد المتغير. فهل نشهد قريبًا عصرًا جديدًا من الصحافة التحليلية الجريئة، أم أن الإعلام التقليدي لا يزال يبحث عن هويته؟