صيغة الشمري
لا شيء يبرهن على تغيّر المفاهيم الاقتصادية في المملكة مثل الطريقة التي بدأنا ننظر بها للتمويل التنموي. حيث لم يعد مجرد دفعات مالية تُصرف هنا وهناك، أو مشاريع تُنجز بصمت، بل أصبح أداة حقيقية تصنع أثرًا، وتحكي قصة تحول اقتصادي عميق نعيشه ونراه.
في الرياض وخلال نسخة جديدة من «ديوانية المعرفة» التي نظمها مركز «متمم» بالتعاون مع صندوق التنمية الوطني، حيث اجتمع مسؤولون وخبراء واقتصاديون للحديث عن هذا التحوّل. كان النقاش نابعا من وعي بأن التمويل التنموي اليوم يتقدّم الصفوف في مسيرة تنويع الاقتصاد السعودي.
حين تحدث المهندس سعد الخلب، رئيس بنك التصدير والاستيراد، عن 70 مليار ريال كقيمة تسهيلات خلال خمس سنوات، لم يكن يستعرض رقمًا فقط. بل أشار إلى واقع جديد: أن الصادرات السعودية غير النفطية وصلت لأكثر من 150 دولة. هذا بحد ذاته رسالة أن المال هنا ليس ساكنًا، بل يتحرك ويُحرّك.
بنك التنمية الاجتماعية أيضًا عرض أرقامًا. 160 مليار ريال خلال 53 عامًا ليست مجرد ميزانية، بل قصة طويلة من تمكين الأسر، دعم المشاريع الصغيرة، وتقديم منتجات ادخارية جذبت مئات الآلاف من المواطنين. أرقام بدأت تتحوّل إلى وعي مالي مجتمعي.
ولفتني بشكل خاص تركيز صندوق البنية التحتية الوطني على «البنية الاجتماعية»، مصطلح بسيط لكنه عميق. حين يكون التمويل موجهًا لتحسين حياة الناس، وليس فقط لبناء الطرق والمباني، فنحن نتحدث عن تنمية حقيقية.
الخيط الرابط بين كل ما قيل هو أن الصناديق التنموية لم تعد تتصرف كجهات تنفيذية فقط، بل كجزء من عقل استراتيجي يُخطط ويرى بعيدًا. تعمل على استباق المتغيرات، وتبني شراكات داخلية وخارجية، وتعيد توجيه الدعم للقطاع الخاص بشكل مدروس.
خلاصة القول، أن التمويل التنموي في السعودية لم يعد مجرد أداة دعم، بل اصبح طرفًا فاعلًا في صياغة مستقبل اقتصادي تنموي مستدام يواكب طموحات رؤية السعودية 2030 التي أصبحت واقعًا معاشًا.