د. رانيا القرعاوي
لم يكن طرح رؤية السعودية 2030 مجرد إعلان عن خطة اقتصادية، بل كانت خارطة طريق وطنية طموحة تهدف إلى التخلص من الاعتماد على النفط فقط، والوصول إلى مجتمع حيوي واقتصاد مزدهر.
إلا أن نجاح هذه الرؤية في كسب تأييد المجتمع يعود في جزء منه إلى قوة الإعلام الاستراتيجي، الذي نجح في تحويل المفاهيم المعقدة إلى رسائل مبسطة وملهمة.
اعتمدت المملكة على مبدأ «الاتصال المستمر»، الذي طرحه البروفيسور تيموثي كُومبس في كتابه Ongoing Crisis Communication. يؤكد كُومبس أن التواصل المنتظم مع الجمهور، لا سيما في فترات التحول أو الشك، هو الأداة الأهم لكسب الثقة وتغيير التصورات. وقد انعكس هذا المفهوم بوضوح في خطاب الرؤية، من خلال رسائل واضحة، متزنة، ومبنية على الجمع بين البيانات.
لم تكن التغطية الإعلامية لرؤية 2030 سطحية أو موسمية، بل رافقت التحولات في مختلف القطاعات، وكانت أداة للتفسير والتبسيط، وربطًا مباشرًا بين الرؤية وحياة الناس اليومية. وبهذا، ارتبطت الرؤية بكل المشاريع والمبادرات التي أطلقتها الجهات الحكومية، وأثرت بشكل ملموس على أداء القطاع الخاص.
الرؤية لم تكن لتصل إلى مرحلة التبني الشعبي لولا السلوك الإعلامي الاحترافي، الذي تبناه الإعلام التقليدي والرقمي، بالتنسيق مع القائمين على الاتصال في برامج الرؤية؛ فقد ارتكزت التغطية على لغة الأرقام، والقصص، والنماذج الملهمة، وتجاوزت نمطية التغطيات الإخبارية التي تكتفي بالإجابة على الأسئلة الست.
لقد بلغ تأثير الرؤية هذا المستوى من التبني الشعبي بفضل الأداء الإعلامي الاحترافي، وبحسب التقرير السنوي لرؤية السعودية 2030 لعام 2024، تم تحقيق ثمانية مستهدفات رئيسية قبل موعدها بست سنوات، ما يعكس جدية التنفيذ ووضوح الأهداف من قبل القائمين على الرؤية.
ويمثل نجاح التواصل في رؤية 2030 نموذجًا حيًا على تأثير الإعلام عندما يكون موجّهًا وواعيًا، ويمكن البناء عليه لنشر الوعي بمبادرات التنمية المستدامة، مثل مبادرة السعودية الخضراء، والشرق الأوسط الأخضر، ومشاريع الطاقة المتجددة. فمشاريع مثل «سكاكا» و»دومة الجندل»، لو وُضعت تحت المجهر الإعلامي بلغة قريبة من الناس، وربطت بأهداف ملموسة تمس الأجيال القادمة، لأمكن توليد تبني شعبي حقيقي لسلوكيات واعية تجاه البيئة والطاقة، تساهم في تغيير أنماط الاستهلاك بوعي وطواعية.
فعلى الرغم من كافة التحفظات التي أُثيرت حول بعض مبادرات الرؤية دون فهم، فإن وضوح الرسائل، وسرعة الاستجابة، وتعدد القنوات الإعلامية، كانت جميعها عوامل حاسمة في تجاوز الشكوك والانتقال إلى مرحلة التمكين. فعندما يؤدي الإعلام دوره كشريك حقيقي في أي مبادرة أو مشروع، يصبح النجاح هو النتيجة الطبيعية، ويظل الإعلام الحليف الدائم في مسيرة التنمية والتغيير.