د.عبدالعزيز عبدالله الأسمري
تشهد منطقة جنوب آسيا تصعيدًا خطيرًا بين دولتين نوويتين، الهند وباكستان، وذلك بعد الهجوم الدموي الذي وقع في 22 أبريل 2025 في منطقة باهالغام بكشمير، وأسفر عن مقتل 26 سائحًا. وقد سارعت الهند إلى توجيه أصابع الاتهام إلى جماعة «جبهة المقاومة» المرتبطة بتنظيم «لشكر طيبة» (Lashkar-e-Taiba)، متهمة إياها بتنفيذ العملية المسلحة، في حين بادرت إسلام آباد إلى نفي تلك الاتهامات وطالبت بإجراء تحقيق دولي مستقل.
وفي غضون أيام، تصاعدت حدة الإجراءات السياسية والدبلوماسية بين البلدين، فتبادلا طرد الدبلوماسيين، وتم تعليق عدد من الاتفاقيات المشتركة، وأُغلقت المنافذ الحدودية، مع اندلاع اشتباكات محدودة على خط السيطرة في إقليم كشمير. وقد زادت هذه التطورات من المخاوف الإقليمية والدولية من انزلاق الأمور نحو مواجهة عسكرية مفتوحة.
يأتي هذا التصعيد في ظل ضغوط داخلية متنامية في الهند، خاصة من قبل التيارات القومية والإعلام المحلي، التي تطالب بالرد على الهجوم، بينما تسعى باكستان إلى تدويل القضية وإظهار حرصها على التهدئة. ورغم سخونة الموقف، إلا أن تقديرات المراقبين تستبعد، في الوقت الراهن، نشوب حرب شاملة، نظرًا لتوازن الردع النووي بين البلدين، والمخاطر الجيوسياسية التي قد تنجم عن انفلات الأوضاع في منطقة ذات أهمية استراتيجية واقتصادية كبرى.
في خضم هذه اللحظة الحرجة، برزت المملكة العربية السعودية كأحد أقوى الوسطاء المحتملين، بفضل توازن علاقاتها مع الطرفين، وخبرتها المتراكمة في إدارة الوساطات الدولية. وقد أعلنت وزارة الخارجية السعودية رسميًا بدء اتصالات مباشرة مع نيودلهي وإسلام آباد، داعية إلى التهدئة وتبني مبدأ الحوار، في خطوة لاقت ترحيبًا دوليًا أوليًا.
وتستند الرياض في تحركها إلى أدوات قوة ناعمة فعّالة، تشمل مكانتها الإسلامية الرفيعة لدى باكستان، وقوة حضورها الاقتصادي والاستثماري في الهند، إلى جانب سجلها الناجح في التعامل مع أزمات إقليمية ودولية معقدة. ومن شأن هذه العوامل أن تمنح وساطتها فاعلية وقبولًا، لا سيما إذا ما ترافقت مع مبادرات دبلوماسية مرنة تهدف إلى خلق بيئة حوار وتخفيف التوتر تدريجيًا. ولعل مثل هذه المقاربة الهادئة تفتح الباب أمام إعادة بناء الثقة والتمهيد لحلول أوسع على المدى البعيد.
وفي حال تطور التوتر إلى مواجهة عسكرية، فمن المرجّح أن تظل المواجهة في إطار محدود ومنضبط، مدفوعة بالدرجة الأولى بضرورات الاستجابة للضغوط السياسية والشعبية داخل الهند، لا برغبة فعلية في الدخول في حرب مفتوحة.
ومع ذلك، فإن نجاح المملكة العربية السعودية في احتواء هذا التصعيد، حتى ضمن نطاقه الأولي، سيمثل إنجازًا دبلوماسيًا استثنائيًا يُعزّز مكانتها كفاعل إقليمي موثوق، وقوة ناعمة قادرة على إحداث توازن في أكثر ملفات العالم حساسية وتعقيدًا، ويُكرّس دورها المتنامي في حفظ الأمن الإقليمي والدولي ضمن مسارات الوساطة والمساعي الحميدة التي تتسق مع أهدافها الاستراتيجية ورؤيتها الدبلوماسية المتقدمة.