د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
يمثل الإسكان بالنسبة لرؤية المملكة 2030 إطارا استراتيجيا شاملا تسعى الدولة إلى تحقيق أهداف طموحة في مختلف قطاعات التنمية، بما في ذلك القطاعان البلدي والسكني من أجل بناء مجتمع حيوي واقتصاد متنوع ومستدام، مما يعزز جودة الحياة لتحقيق تطلعات الوطن والمواطن.
تركز الرؤية على المواطن لأن الرؤية منطلقة من ركائز ثلاث باعتبار المواطن قوتها، وهو أحد أهم ركائز الرؤية، لأن الرؤية تعتمد على طاقات أبنائها وبناتها الذين يمثلون أكثر من نصف السعوديين، وهم الذين يقودون الرؤية الاستثمارية الهائلة التي تمتلكها هذه البلاد من أجل أن تنطلق نحو آفاق اقتصادية جديدة، بجانب استثمار مكانة السعودية كمحور يربط بين ثلاث قارات، ويمر بها طرق بحرية هي الأكبر على مستوى العالم، ما يجعلها تتميز بموقع إستراتيجي ومكانة عالمية.
منذ إطلاق رؤية المملكة 2030 في 25 أبريل 2016 بعدما طال انتظار الأسر السعودية للدعم السكني باعتبار أن الأسرة هي القلب النابض للمجتمع وتوفير المسكن المناسب لتلك الأسر ستتمتع بالأمان والراحة، وبالنسبة للمستأجرين أطلق البرنامج خدمة إيجار الإلكترونية التي تحمي المستأجرين وتمنح الملاك وأصحاب العقارات عقودا ذات موثوقية ونفاذ تحفظ حقوقهم، مما أدى إلى تسجيل أكثر من 4.5 مليون عقد إيجار.
فمنذ انطلق قطاع الإسكان في عام 2018 ركز القطاع على زيادة المعروض من المنتجات السكنية بجودة عالية وبأسعار مناسبة وفي وقت قصير لتصبح السعودية في مقدمة دول العالم التي تمتلك استراتيجية واضحة في الإسكان الوطني، وهدفا محددا لتملك المنازل، ما جعل قطاع الإسكان يشهد تحولا تاريخيا غير مسبوق، ونموا ملحوظا يدعم غاية الرؤية التي تكمن في بناء مستقبل مزدهر، كما بلغت نسبة تملك المواطنين مساكنهم 65.4% عام محققة مستهدف عام 2024 البالغ 64 مقارنة بخط الأساس البالغ 47% ويبلغ المستهدف العام للرؤية 70%.
ما يعكس فاعلية المبادرات السكنية في تمكين المواطنين من الحصول على السكن الملائم، وإنجاز يجسد الرؤية الطموحة والتحولات النوعية التي تقودها السعودية، ولا يعد هذا الإنجاز مجرد رقم يسجل، بل هو شاهد على تحول مجتمعي واقتصادي متكامل، لقد أثبتت الرؤية قدرتها على تحويل الطموحات إلى واقع ملموس، معزز ثقة المواطن بالمسار التنموي التي تنتهجه السعودية، ومؤكدة أن الاستثمار في الإنسان هو حجر الأساس في بناء وطن مزدهر ومتين.
حيث تضاعفت القروض العقارية للأفراد لتصل إلى 835 مليار ريال بنهاية الربع الثالث من 2024 مقارنة بـ420 مليارا لعام 2020 مدعومة بتوسع برامج التمويل السكني المدعوم، تزامنت مع تنوع الحلول السكنية بين الوحدات تحت الإنشاء، البناء الذاتي، الوحدات الجاهزة، وأرضك ودعمك، إلى جانب تنوع الحلول التمويلية المقدمة للمستفيدين وتضمنت 10 خيارات متنوعة، أبرزها مصفوفة الدعم المالية، باقة دعم الدفعة المقدمة، الدعم العيني، أقل هامش ربح تمويلي، دعمك يساوي قسطك، الرهن الميسر، القسط الميسر، القسط المرن، برنامج الضمانات، من خلال توفير مزيد من الحلول السكنية بأسعار مناسبة، وإنشاء مجتمعات سكنية متكاملة المرافق والخدمات، وتطوير بيئة تلبي كل متطلبات الحياة العصرية وتدعم رفاهية المجتمع. بجانب أن هناك عقود التمويل المخفض النسبة بهامش ربح 2.59% لمستفيدي سكني ذوي الدخل المحدود، بجانب توفير وحدات سكنية للأسر الأشد حاجة، تعزيزا لمنظومة الإسكان التنموي، وتحقيقا لمبدأ الاستدامة الاجتماعية، وتواصل وزارة الإسكان جهودها لضمان تنويع الخيارات وتقديم بيئة سكنية متكاملة تلبي احتياجات المواطنين، لمواجهة تحديات متمثلة بقلة المعروض مقابل الطلب، وارتفاع أسعار الوحدات العقارية إلى مستويات تفوق قدرة شريحة معتبرة من المواطنين والمقيمين.
يأتي تبرع سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بمبلغ مليار ريال من ماله الخاص لمؤسسة الإسكان التنموي الأهلية سكن ممثلة بمنصة جود الإسكان بهدف دعم تمليك الإسكان للمستفيدين والأسر المستحقة، وذلك في إطار ما يوليه سموه من اهتمام ودعم مستمر لتوفير الحياة الكريمة للمواطنين، تأتي هذه الخطوة بعد أن وجه سمو ولي العهد في مارس 2024 باتخاذ حزمة من الإجراءات التنظيمية في مسعى لاحتواء ارتفاع أسعار الأراضي والإيجارات وتحقيق التوازن في القطاع العقاري بالعاصمة الرياض شملت رفع الإيقاف عن تطوير أكثر من 81 كيلو مترا مربعا من الأراضي في شمال الرياض، وتوفير عشرات الآلاف من القطع السكنية سنويا لتعزيز العرض وفي نفس الوقت بأسعار مناسبة للمواطنين.
فيما بلغت المساهمة التراكمية للأنشطة العقارية وقطاع المقاولات في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي 24.03% بنهاية الربع الثالث من 2024، ويساهم بنسبة 7% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يؤكد الدور الحيوي الذي يلعبه قطاع الإسكان في دعم الاقتصاد الوطني وتنويعه، فهو يدعم قطاعات أخرى وهو أحد القطاعات القادرة على توليد فرص العمل، حتى باتت السوق العقارية مهيأة لاستيعاب الطلب من المستثمرين الدوليين، وذلك لضمان استمرار الطلب مستقبلا، وفتح السوق أمام المشترين الدوليين وبشكل خاص للمساكن الفاخرة، والسماح باستثمار الأجانب في الشركات المدرجة في البورصة كطريقة للاستثمار في العقارات من أجل أن يستوعب المشترون الدوليون جزءا من العرض.
ووفق التقديرات فإن السعودية ستحتاج خلال العقد المقبل بإنشاء ما يقارب 1.2 مليون مسكن جديد بحيث يصل مجموع الوحدات السكنية إلى 4.96 مليون وحدة بحلول 2030.
** **
- أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والسياسية بجامعة أم القرى سابقا