أ.د.عثمان بن صالح العامر
في زحام الحياة وضجيجها، تبقى الأفعال الصغيرة ذات الأثر العميق هي الأكثر قيمة، والأعظم أثراً، ومن بين هذه الأفعال الواقعة في دائرة المشاعر يبرز (جبر الخواطر) كأسمى أشكال الإنسانية، وأرقى درجات الأخلاق. وما جبر الخواطر إلا:
- أن تواسي حزيناً، أو تبتسم في وجه مهموم، أو تمد يد العون لمن انكسر قلبه.
- هو كلمة طيبة تقولها في وقتها، أو صمت حكيم حين يكون الكلام جارحاً.
- جبر الخواطر أن تجعل غيرك يشعر أنه ليس وحده، أن تضيء له عتمته ولو بكلمة.
لقد رفع الدين الإسلامي من شأن جبر الخواطر، فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة»، فكيف بكلمة تمس قلباً مكسوراً، أو ترفع معنويات محبط؟ وقد قيل إن جبر الخواطر عبادة خفية، لا يعرفها إلا من كان قلبه قريباً من الله.
تذكر كتب السير أن امرأة من الأنصار دخلت على عائشة رضي الله عنهما في حادثة الإفك وبكت معها دون أن تنطق بكلمة، قالت عائشة: لا أنساها لها).
- إن الإنسان مهما كان قوياً في ذاته، واثقاً من نفسه إلا أنه غالباً ما ينهزم أمام مثل هذه المواقف التي يشعر فيها أنه عجز عن الانتصار للحق الذي يحمله ويعتقده ويدين الله به، فهو يجمع بين القهر الذي استعاذ الرسول صلى الله عليه وسلم منه وبين الإقصاء الذي نزل عليه جراء ما قيل.
- إن أصحاب القلوب النبيلة والنفوس الحيَّة يستشعرون ما يعانيه أمثال هؤلاء في مثل هذه الحال، فتكون منهم المواساة وتضميد الجراح ولو بالكلمة أو الدمعة التي معهما يحس هذا المكلوم بأن هناك من بقي لديه بقية ثقة بشخصه وبراءته مما نُسب له ظلماً وزوراً، ولذلك تقول عائشة رضي الله عنه، (لا أنساها لها) وهي صامتة، لم تتفوّه بشيء، ولكنه الموقف، ولذلك كان جبر الخواطر عبادة عظيمة يستحق صاحبها الشكر العميق والدعاء الصادق بأن يجبر الله خاطره حين تنكسر الخواطر يوم التغابن، وإلى لقاء، والسلام.