د. لولوة البورشيد
الحقيقة تتسم بأنها علم فلسفي وعملي يشغل بال البشر منذ القدم. نسعى جميعاً لفهم العالم من حولنا، لكن السؤال الأزلي يبقى: كيف نحدد ما هو حقيقي؟ بين التجربة الشخصية، الدليل العلمي، والتأثيرات الثقافية والاجتماعية، تصبح الإجابة معقدة.
اعتبرت أنها هي «مطابقة الفكر للواقع»، بينما رأى ديكارت أن اليقين الذاتي هو أساس الحقيقة، كما في قوله الشهير «أنا أفكر، إذاً أنا موجود». في العصر الحديث، أدخلت الفلسفات الوضعية والبراغماتية تعريفات جديدة تربط الحقيقة بالتجربة العلمية أو بالنتائج العملية.
لكنها لا تقتصر على الفلسفة. في حياتنا اليومية، نواجه تحديات عملية لتحديد ما هو حقيقي: هل الأخبار التي نقرأها صحيحة؟ هل التجارب الشخصية كافية للحكم على واقع معين؟ هنا تبرز أهمية الدلالة كجسر بين الحقيقة المجردة والواقع الملموس.
الدلالة هي العملية التي نربط بها بين المعلومات والمعاني. عندما نرى دخاناً، نستنتج وجود نار، لأن الدخان دليل على الاحتراق. هذا المثال البسيط يعكس كيف نستخدم الدلائل للوصول إلى الحقيقة. لكن الدلالة ليست دائماً بهذه البساطة. في عالم مليء بالمعلومات المغلوطة والتحيزات، يصبح من الضروري تمحيص الدلائل بعناية.
العلم يقدم نهجاً منهجياً لتحديد الحقيقة. من خلال التجارب، القياسات، والفرضيات القابلة للاختبار، يسعى العلم لتقديم حقائق موضوعية. على سبيل المثال، أثبتت الدراسات العلمية أن الأرض كروية، رغم أن بعض الثقافات القديمة اعتقدت أنها مسطحة. لكن حتى العلم ليس محصنًا ضد الأخطاء أو التأثيرات الخارجية، مثل التمويل أو الضغوط السياسية.
التجربة الشخصية تشكل جزءاً كبيراً من إدراكنا للحقيقة. إذا شعرت بالبرد، فهذه حقيقة بالنسبة لك. لكن التجارب الشخصية قد تكون مضلّلة. الوهم البصري، على سبيل المثال، قد يجعلك ترى شيئًا غير موجود. لذا، يجب موازنة التجربة الشخصية بالدلائل الموضوعية.
الثقافة والمجتمع يشكلان عدسات نرى من خلالها الحقيقة. ما يعتبر حقيقة في ثقافة قد يكون خرافة في أخرى. على سبيل المثال، بعض المجتمعات تؤمن بالطب التقليدي، بينما ترى مجتمعات أخرى أنه غير مدعوم علميًا. هنا تكمن أهمية التفكير النقدي لفصل الحقيقة عن التحيزات الثقافية.
في عصر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت الحقيقة أكثر تعقيدًا. تنتشر الأخبار الكاذبة بسرعة، والخوارزميات تعزِّز التحيزات من خلال عرض المحتوى الذي يتماشى مع آرائنا. لمواجهة هذه التحديات.
* منها التأكد من مصداقية المعلومات من خلال مصادر موثوقة.
* تحليل الدلائل بعقلانية وتجنب القبول الأعمى للمعلومات.
* مناقشة الأفكار مع الآخرين لفهم وجهات نظر مختلفة.
تحديد الحقيقة ليس مهمة سهلة، لكنه مسعى أساسي لبناء فهم صحيح للعالم. الدلالة، سواء كانت علمية، شخصية، أو ثقافية، هي الأداة التي تمكننا من الاقتراب من الحقيقة من خلال التفكير النقدي، التحقق من المعلومات، والانفتاح على وجهات النظر المختلفة، يمكننا أن نحدد ما هو حقيقي في عالم معقد ومتغير. الحقيقة ليست وجهة نهائية، بل رحلة مستمرة من البحث والتساؤل.