عبدالله إبراهيم الكعيد
أروع القصص الخالدة تلك التي وردت على لسان الحيوان في الكتاب الشهير كليلة ودمنة لابن المقفّع الذي ترجم محتواه من اللغة الفارسية للعربية. من يقرأ الكتاب بتمعّن يُدرك بأن الذي ألّفه لم يهدف للسرد الترفيهي إنما لما هو أبعد. نشر الأفكار ذات الطابع الأخلاقي والحِكمة من خلق الكون وتبصير القارئ بمواطن الخير، ولكن ليس بالطريقة التقليدية الوعظية إنما بلسان وصفات الحيوانات تلك التي درس المؤلف سلوكها جيّداً ورمز للإنسان وحياته وسلوكه فأجرى عملية إسقاط مُدهشة كي يقول ما لا يستطيع قوله مباشرة، هذا غير أنه قد أخذ في الاعتبار حكاية التشويق والجنوح إلى الخيال وغيرها من فنون الكتابة كي يوصل ما يود قوله للقارئ. وفي ظني مهما استخدم الكاتب اليوم من تلك الوسائل فقد يصعب عليه الوصول إلى ما أنتجهُ مُبدع كليلة ودمنة، نعم قد يُحاكيه ويستهدي بأسلوبه، ولكن يصبح إنتاجه نسخة باهتة ربما.
في يومنا هذا قد لا يعرف الكثير من جيل اليوم عن كليلة ودمنة، حتى إن بعضهم لم يسمع عن ابن المقفع أصلاً، ولا من يكون، ولهم العذر في ذلك إذ ليس مطلوبا منهم حتما ونحن في عصر التكنولوجيا والانفتاح وتعدد أشكال الحُرّيات، وخصوصا حرية التفكير والتعبير أن يقرأوا أو يسمعوا عن كاتبِ قد جنح للرمزية كي يهرب من السائد، فمن لديه اليوم رأي أو قول فله كل الحق أن يقوله وينشره لكن ضمن قانون النشر في كل بلد.
جيل اليوم بالتأكيد يعرفون معلومات عن الأمريكي والت ديزني مبدع أفلام الرسوم المتحركة صاحب المقولة الشهيرة « فقط تذكّر أن كل شيء قد بدأ بفار. يرمز إلى الفأر الكرتوني الشهير (ميكي ماوس) الذي ظهر إلى الحياة عام 1955م.
أُصدقكم القول إنني حينما قرأت كتاب كليلة ودمنة في صغري أُعجبت به ايّما إعجاب، ثم أعدتُ قراءته مرّات مُتباعدة رغبة في قياس مدى قبولي في كل حقبة للحكايات التي تُكتب بلسان الحيوان. وقد كانت حكاية الضبع الأبله الذي يُريد إلغاء سلوك بقيّة الحيوانات وإخماد تذمر بعض المشاغبين منها بناء على مهمّة تم تكليفه بها ففشل فشلا ذريعاَ. قصة رسخت في ذهني حتى كتابة هذه السطور.
صفوة القول: كلما أمْعنّا في دراسة التاريخ جيداً وفي مختلف المجالات تظهر لنا حقائق كانت مدفونة بفعل فاعل قد يكون أحد أسباب الدفن طمس إنجازات أمّة من الأمم ونسبها لأمّة أخرى حسب مقولة «التاريخ يكتبه الأقوياء».