خالد محمد الدوس
الموت حق.. ومن المؤلم أن يفارقنا إنسان عزيز على قلوبنا، نحبه كثيراً ونستشعر بألم الفراق به حين تختفي بسمته، وتتوقف ضحكته، ونفقد كلماته الحلوة، وتغيب جلساته التي تبث روح السعادة في النفوس والوجدان. فيغادرنا في حضرة الموت، أو الزائر الأخير.. هادم اللذات، ومفرِّق الجماعات، وميتم البنين والبنات..! دون سابق إنذار من دار الفناء، إلى دار البقاء.
فلا عجب إذاً أن الموت هو الحقيقة التي تقف أمامها البشرية عاجزة عن الهروب منها، وكما قال الله تعالى: (أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ) الآية: (78) سورة النساء، لأن الخلائق جميعاً ما هي إلا ودائع وأمانات في هذه الدنيا فمتى ما انتهى أجلها أعيدت انطلاقاً من قوله تعالى: (فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ) الآية: (34) سورة الأعراف.
في مساء يوم الثلاثاء الموافق 1-11-1446هـ تلقيت خبر وفاة القريب الحبيب للقلب المربي الفاضل (صالح بن راشد السفيان) بعد معاناته مع المرض عن عمر يناهز السبعين عاماً تغمده الله بواسع رحمته. كان أخي الراحل (أبو راشد) صاحب خلق رفيع وابتسامة عفوية دائمة.. نقي السريرة، ونظيف القلب الذي كان يتسع حباً للجميع بقيمه التربوية الفضيلة ومبادئه الأخلاقية الأصيلة.. أكسبت شخصيته المتزنة وروحه الاجتماعية العالية حُب الأقارب والأحباب وكل من عرفه عن كثب، لأنه كان -رحمه الله- يؤمن بمبدأ (ليس من الحكمة صناعة الأعداء)..! فكان بطيبته المتناهية وسلامة قلبه الطاهر يتجاهل.. ويسامح.. ويتنازل.. ويبتسم من أجل حبل المودة حتى مع أولئك الذين اختلف معهم في وجهات النظر..!
عمل -رحمه الله- في ميدان التربية والتعليم ما يقارب 35 سنة وتخرج على يديه أجيال منهم من اتجه للطب ومنهم للهندسة ومنهم من خدم الوطن في القطاعات الأمنية وبعضهم كان يتواصل معه رحمه الله تقديراً وإجلالاً لمعلمهم الفاضل، وعرفانا لما قدمه في رسالته السامية في التعليم نحو طلابه وأبنائه.
عرف عن فقيدنا الغالي -رحمه الله- حرصه على القيم الدينية والاجتماعية، حيث كان يحب الوصل في الأقارب والأرحام حتى في مرضه وتعبه كان نموذجاً حياً ومضرب مثل في التواصل وصلة الرحم وأتذكر كان يقوم بزيارة لوالدي كل أسبوعين وبصفه دورية، وكلما شكرته على الزيارة كان يقول هذا (أبونا) وله حق الزيارة، حتى وإن كان في وضع صحي متعب كان يحرص على الزيارة..
لله درك يا (أبا راشد) ما أروع قيمك الإيمانية الاجتماعية الفضيلة.. وأنت تعطينا دروساً في علو الهمة، وصلابة الإرادة والثبات على المبدأ من أجل الأعمال الصالحة.
في مرضه العضال الذي بدأ معه قبل أكثر من عام ضرب أروع معاني الصبر والاحتساب والثبات في معاناته المرضية. فكان يردد ويذكر فضل الله سبحانه عليه حامداً وشاكراً لخالقه الرحيم، حتى وبعد تردي حالته المرضية وأوضاعه الصحية لم يشتك هماً ولا حزناً لأحد..! بل كان يشكو بثه وحزنه إلى الله عزَّ وجلَّ، وحتى ومع شدة المرض كان حريصاً على الصلاة ويسأل عنها.. لأن الصلاة معراج المؤمن وهي الصلة بين العبد وربه.. وما أعظم القلب عندما يتعلق بالصلاة فقد خصَّ الله تعالى المؤمن بالظل في رحمته وفي ظله يوم القيامة بالمحافظة والتعلق بالصلاة، وجعل ثالث سبعة يظلهم الله سبحانه وتعالى بظله يوم لا ظل إلا ظله (رجل قلبه معلق بالمساجد)، كان الفقيد -رحمه الله- يؤمن أن الإيمان (نصفان) نصف شكر والنصف الآخر صبر، ولعل صبره على مرضه يؤكد عمق إيمانه وكثرة حمده لله عزَّ وجلَّ والثناء عليه والشكر له عزَّ وجلَّ في كل حال حتى مع ارتفاع درجة حرارة مرضه ومعاناته الصحية الحالكة، فترك لنا دروسا عظيمة في حسن الظن بالله والثقة به، والإيمان التام بأن المؤمن كل أمره خير، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام مسلم: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له).
رحم الله أخي الغالي (صالح السفيان).. وأسكنه فسيح جناته، وجعل ما أصابه من مرض وسقم تكفيراً للخطايا ورفعة في الدرجات، تغمده الله بواسع رحمته.