د. حمود بن فلاح العتيبي
منذ نشأتها في عشرينيات القرن الماضي، اتخذت جماعة الإخوان المسلمين من الدين الإسلامي غطاءً لتحقيق أهدافها السياسية والتنظيمية، متخذة من العنف والعمل السري أدوات رئيسة في مسيرتها. وقد ارتبط اسم الجماعة على مدى عقود بالإرهاب والعمليات المسلحة.
لم يكن العنف داخل جماعة الإخوان المسلمين طارئًا أو ردّ فعل على أحداث سياسية عابرة، بل كان جزءًا أصيلاً من بنيتها الفكرية والتنظيمية منذ البدايات. فمؤسس الجماعة، حسن البنا، لم يكتفِ بالحديث المجرد عن «القوة»، بل وضع لها مفهوماً عمليًا وقواعد تنظيمية واضحة.
وفي رسائله، أشار البنا صراحةً إلى أن الجماعة ستلجأ إلى «القوة العملية» متى اكتملت عدّتها من الإيمان والتنظيم، معتبرًا أن استخدام القوة جزء من الإعداد الشامل الذي ينبغي أن تلتزم به الجماعة في سعيها نحو تحقيق أهدافها.
«النظام الخاص» - القوّة الضاربة
في عام 1940م - (1358هـ)، تأسس ما عُرف بـ»التنظيم السري» أو «النظام الخاص»، وهو الجناح العسكري السري لجماعة الإخوان، وقد ضم خلايا مدرّبة على استخدام السلاح، وتنفيذ التفجيرات، وارتكاب الاغتيالات، وصناعة الأحزمة الناسفة، وتوزيع المنشورات السرّية، والتواصل بالشفرات.
أُنشئ هذا النظام كقوة ضاربة داخل الجماعة، وبلغ عدد كتائبه ثلاثمئة كتيبة، كل واحدة منها تتكوّن من أربعين عضوًا مؤمنين بالفكر، ومدرّبين بدنيًا وعقائديًا. وقد وُضع لهذا التنظيم نظام دقيق في التدريب والتسليح، والتواصل، والعمليات، مما جعله أشبه بجيش خفي يعمل في الظل، بعيدًا عن الأضواء والرقابة.
ابتكر البنا مبكرًا فكرة «الخلايا النائمة»، فقام بزرع أفراد الجماعة في مؤسسات الدولة، والأحزاب، والجماعات الأخرى، ليكونوا عيونًا وأذرعًا سرية تتلقى الأوامر من القيادة وتنفذها في الوقت المناسب. وقد روى محمود عساف، سكرتير حسن البنا، تفاصيل دقيقة عن كيفية عمل هذه الخلايا في جمع المعلومات، وتجنيد الأعضاء الجدد، ثم الانتقال إلى مرحلة التنفيذ عند صدور التعليمات.
ختامًا:
إن تأمل التاريخ الداخلي لجماعة الإخوان المسلمين يكشف بجلاء أن العنف لم يكن خيارًا عارضًا أو تكتيكًا مؤقتًا، بل كان جزءًا راسخًا من بنيتها الفكرية والتنظيمية منذ تأسيس «التنظيم السري» في أربعينيات القرن الماضي.
لقد أنشأوا جهازًا عسكريًا خفيًا محترفًا في استخدام السلاح، والتفجير، والاغتيال، والتواصل السري، ما جعله أداة مركزية في مسيرة الجماعة.