عايض بن خالد المطيري
الطلاق.. هذه الكلمة التي تتردد كثيرًا في مجتمعاتنا، لم تعد مجرّد حالة فردية، بل تحوّلت إلى ظاهرة مقلقة تهدد استقرار الأسرة وتماسك المجتمع. فقد عرّفه الفقهاء بأنه «حلّ عقد النكاح» لكن الواقع يكشف أنه أكثر من مجرد فسخ لعقد؛ إنه انفصال يشقّ القلوب، ويقطع الأواصر، ويترك خلفه أسئلة لا تنتهي، لعلّ أبرزها: كيف يمكننا الوقاية من الطلاق قبل أن يقع؟
يبدأ الزواج بخطوة أساسية تُعرف بـ»الاختيار» وهي خطوة ينبغي أن تُبنى على أسس سليمة، تبدأ بمعرفة الشخص الذي سيرتبط به الإنسان، لا معرفة شكلية فحسب، بل معرفة تلامس الجوانب العميقة من شخصيته. وهنا تظهر أهمية النظرة الشرعية، التي أقرّتها الشريعة الإسلامية كأسلوب حكيم يمنح الطرفين فرصة للاطمئنان قبل الإقدام على خطوة العمر.
النظرة الشرعية، التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم إنها حقٌّ للخاطب، تتمثّل في رؤية الخاطب لمخطوبته برفقة أهلها، بعيدًا عن الخلوة أو أي ممارسات غير شرعية. وقد ندب النبي الكريم إلى هذه الخطوة بقوله: «إذا خطب أحدكم امرأة، فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل، فإن ذلك أقرب أن يُؤدم بينهما» أي أنه أدعى لتحقيق المودة والتآلف القلبي بين الزوجين.
تكمن الحكمة من هذه النظرة في تقوية فرص التفاهم والانسجام بين الزوجين، والتقليل من عنصر المفاجأة بعد الزواج. فعندما يرى الخاطب مخطوبته ويتأمل شخصيتها ومظهرها، وترى هي بدورها الخاطب، تنشأ بينهما ملامح أولية للتوافق. هذه اللحظة البسيطة قد تمنع الكثير من المشاكل المستقبلية.
ورغم وضوح هذا التشريع النبوي، إلا أن بعض المجتمعات تستبدله بعادات قد تكون مضللة، مثل الاكتفاء بالصور المعدّلة بالفلاتر الحديثة، أو الثقة برأي الوسطاء دون لقاء حقيقي ونظرة شرعية. وبهذا، يدخل الطرفان في حياة مشتركة دون معرفة حقيقية، فتبدأ الصدامات، وتنتهي غالبًا بالانفصال.
من هذا المنطلق يجب أن ندرك أن النظرة الشرعية ليست ممارسة دينية رمزية فحسب، بل هي إجراء عملي وإنساني يسهم في تقليل نسب الطلاق، وبناء علاقات زوجية أكثر وعيًا واستقرارًا. وعلى الجهات التربوية والإعلامية والدينية أن تعزز الوعي بهذه السنة النبوية، وتواجه المفاهيم الاجتماعية الخاطئة حولها.
لقد جاءت الشريعة الإسلامية، بحكمتها ورحمتها، بكل ما يحقق الخير للناس في الدنيا والآخرة، وكانت النظرة الشرعية إحدى تلك التشريعات الحكيمة التي تهدف إلى تأسيس حياة زوجية مستقرة، وأسرة متماسكة.