خالد بن عبدالرحمن الذييب
قرأت لأحدهم عبارة أنقلها بالمعنى بأن الحضارة الإنسانية بدأت من الإغريق ثم مرت بفترة سُبات عميق، وعادت من جديد مع الحضارة الأوروبية في عصر النهضة. لا شك أن الحضارة الغربية لها دور عظيم في تقدم الإنسانية، ولا شك أيضاً أنها حالياً تعتبر الحضارة السائدة بقيمها الأخلاقية والفكرية سواء اتفقنا معها أم لم نتفق، ولكن أيضاً مما لا شك فيه أن قصر الحضارة الإنسانية على منطقة جغرافية وعرق معين يعتبر من عبث القول، وهرطقة الفكر وكلام يصعب الأخذ والرد فيه. فإذا كان هناك فئة من البشر لديها قومية وعنصرية مبالغ فيها لدرجة نسب كل شيء لحضارتها، فهناك مع الأسف مفكرون وأصحاب رأي ممن لديهم انهزام ثقافي لدرجة الزعم أن كل شيء بدأ من أوروبا وانتهى إليها، وهذا كلام لا شك أنه غير صحيح.
التاريخ الإنساني عبارة عن تراكمات فكرية وأحداثاً تتوالد، عبر قرون لتؤدي إلى نتائج تاريخية ضخمة تغير وجه الإنسانية، وتاريخ أوروبا بالذات دليل قوي على فكرة التراكم الحضاري والتطور المجتمعي عبر التاريخ، فأوروبا من القرن الحادي عشر كانت تتقدم بخط مستقيم واضح على شكل مراحل، بداية من ما قبل عصر النهضة وخلالها إلى التنوير ثم الثورة الصناعية، وكل مرحلة تسلم للمرحلة الأخرى، فقدت رجالاً وقادة وعلماء وكتّاب وفلاسفة، ومع ذلك كانت تتقدم، كان هناك ضوء يزداد شيئاً فشيئاً، كانت تراه على أنه الأمل الذي ينمو ويكبر مثل الجنين في بطن أمه، الأم التي تعاني (9) شهور، من أجل لحظة يعتبرها الأطباء أشد لحظات الألم التي يعاني منها الإنسان، إلا أن كل ذلك يُنسى عندما ترى الأم وليدها أمامها بصحة جيدة، وكذلك كانت أوروبا، والتي تسود العالم بثقافتها حتى وإن كانت سيادة العالم «جغرافياً» في أمريكا فإنها في الواقع نتيجة العقلية الأوروبية، فمن يحكم أمريكا أجدادهم من أوروبا.
هذا التقدم الأوروبي لم يكن ليحدث لولا أن القارة الأوروبية اقتبست نوراً من حضارة الأندلس الإسلامية وما قبلها، عن طريق ترجمات كتب المسلمين من أمثال ابن سينا، والبيروني، وابن رشد وغيرهم، وهذا الأخير بالذات كان حلقة الوصل في الربط بين حضارتين بترجماته لأرسطو وإعادتها بقالب جديد إلى أوروبا. وبالعودة إلى الحضارة الإغريقية ذاتها نجد أنها استفادت من حضارات الشرق والشعوب الوثنية القديمة واستفادتهم من بقايا صحف إبراهيم وموسى كما يشير د. حمد الحمد في كتابة «مقدمات في الأديان».
أخيراً...
فكرة التراكم الحضاري تقوم على أن تكون ناقلة، وتبني مما نقلت إبداعاً جديداً.
ما بعد أخيراً...
لا توجد حضارة سادت لوحدها، فكل حضارة استلمت... وسلّمت!.