د.شريف بن محمد الأتربي
هل نحن بصمة؟ نعم، فبدون بصمة لن تكون ذا وجود في عالم لا يتعامل إلا بالخصائص الحيوية، تلزمك بصمة في كل محطة من محطات حياتك، ولنقل في كل فعل تقوم به أو تفكر حتى بالقيام به، تريد أن تدخل هذه الدنيا، لابد من بصمة، تريد أن تغادرها، لابد من بصمة، تريد أن تسافر، أيضاً لابد من بصمة، تريد أن تهاجر، أن تفتح حساباً في بنك، أن تتعامل مع أي جهة حكومية؛ لابد من بصمة، فالبصمة هي رفيقك أينما كنت، سواء كانت بصمة أصابع، أو عين، أو حتى بصمة قدم.
كل هذه البصمات الحيوية تنتهي بمجرد مفارقة الروح للجسد ولا تعد ذات قيمة بعد هذه اللحظة، ولكن هناك بصمة أخرى تظل ملاصقة للروح تعيش على أرض الجسد الفاني وتحل محله، هي البصمة الاجتماعية، هي بصمة لا تمحى ولا تتغير سوى بفناء العالم كله. ففي عالم تتسارع فيه الأحداث وتتغير فيه الظروف، ويتشابك فيه الخير والشر ويتعاركان عراكاً مريراً حتى أصبح التمييز بينهما من المستحيلات الكبرى، يبقى الشيء الوحيد الثابت هو الأثر الذي يتركه الإنسان في حياة الآخرين، سواء على مستوى مجتمعه المحلي أو الوطني أو العالمي، وغالباً ما يشار لذلك الأثر بأنه البصمة التي تركها فلان خلفه، أو البصمة الاجتماعية.
إنها ليست مجرد إنجازات مادية أو أرقام تُسجَّل في دفاتر التاريخ، فكم من ملايين أنفقت، وكتب ألفت، ولكنها لم تترك بصمة في عالم أصبح يبحث عن الحقيقة في ظل الضلالات المنتشرة، إنها القيم والمبادئ، الأفعال والمواقف التي حفرها الزمان في ذاكرة الناس في أحداث ومواقف معينة، حتى بعد غياب صاحبها تظل مرتبطة به، ويظل جسده الفاني مرتبطاً بها. هي التأثير الذي يُحدثه الفرد في مجتمعه، سواء كان ذلك التأثير مباشرًا أو غير مباشر، كبيرًا أو صغيرًا. قد تكون كلمة ملهمة، فعل خير، مبادرة مجتمعية، تعليم طفل، أو حتى موقفاً نزيهاً في موقف يتطلب شجاعة، هي كل ما يساهم في تحسين حياة الآخرين، ونشر الوعي، وتعزيز القيم الإيجابية. إن حياة الإنسان فانية لا محالة، ومن أراد الخلد تحلَّى بالقيم والإنسانية، بغض الطرف عن العرق أو اللون أو الدين، فالإنسانية ليست حكراً على أحد ومسألة الجنة والنار هي من خصائص الله سبحانه وتعالى لا شريك له فيها، فكل من يقول هذا كافر عمله غير مقبول عليه أن يراجع نفسه ويسألها إذا كان هذا كافراً وهذه أفعاله فما بال المؤمنين؟
إن البصمة الاجتماعية غالباً ما تكون نتاجاً معقداً لتفاعل العديد من العوامل المؤثرة، منها ما هو اجتماعي ومنها ما هو وراثي، وهي تلعب دورًا أساسيًا في تشكيل سلوك الفرد وقيمه، وتظهر من خلال تأثيره الإيجابي على المجتمع.