عايض بن خالد المطيري
عبارة «أيه بس ولو» من التعبيرات العامية الشائعة في أحاديثنا اليومية، وتتميز ببساطتها التي تخفي بداخلها معنى مركبًا يجمع بين الإقرار والتحفظ. تحمل هذه العبارة تناقضًا واضحًا، إذ تقر بواقع معين، لكنها في الوقت ذاته تقلل من قيمته أو تضيف عليه شرطًا ضمنيًا يشكك فيه. غالبًا ما تُستخدم في سياق النقاشات لتبدو وكأنها موافقة ظاهرية، لكنها في جوهرها تُضمر رفضًا أو انتقاصًا. عندما ننظر إلى هذا التعبير في سياق أوسع، نجده ينطبق على مواقف دولية وإقليمية متعددة، حيث يُستخدم كأسلوب في التعاطي مع إنجازات الآخرين.
المملكة العربية السعودية مثال بارز على ذلك، وتقال بحقها تلك العبارة من الكثيرين. فهي دولة عُرفت عبر تاريخها بمبادراتها الإنسانية، من تقديم المساعدات الإغاثية، إلى دعم الدول النامية، والتصدي للأزمات والكوارث حول العالم، وذلك بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان. هذه القيادة الحكيمة جعلت من السعودية نموذجًا عالميًا في تقديم العون والعمل الإنساني، وهو ما تؤكده الأرقام والشهادات التي لا تحتمل الشك.
ومع ذلك تبرز أصوات تعترف بدورها، لكنها تُتبعه بتحفظات أو محاولات للتقليل منه، وكأنما المطلوب دائمًا المزيد دون إنصاف لما تحقق بالفعل. هذا التناقض يبرز في التصريحات والمواقف التي تقول: «نعم السعودية ساعدت، لكنها تفعل ذلك لمصالحها». أو «السعودية تقدم مساعدات ضخمة، لكن لماذا لا تفعل كذا وكذا»؟ هنا يظهر نمط عبارة «أيه بس ولو»، التي تُستخدم للتقليل من الإنجازات والتشكيك فيها بدلًا من الاعتراف الكامل بها.
إن استمرار هذا النمط من التفكير لا يقلل فقط من قيمة الجهود المبذولة، بل يعيق تعزيز العلاقات القائمة على الاحترام المتبادل. من الضروري تقدير الإنجازات كما هي، دون تحجيم أو تشكيك.
السعودية لا تسعى للاعتراف بدورها الإنساني من أجل الثناء، بل لأن ذلك يعكس قيم العدالة والإنصاف، ما تقدمه ليس إسهامًا رمزيًا، بل رسالة واضحة بأن الإنسانية لا تتجزأ. ولتحقيق ذلك، يجب تجاوز العبارات التي تضعف قيمة الجهود النبيلة، والتصدي لمحاولات المزايدة أو فرض تحفظات غير مبررة. إن العطاء الحقيقي لا يحتاج إلى مبررات أو شروط، ولا ينبغي أن يُقابل بالإنكار أو التحفّظ.
عبارة «أيه بس ولو» قد تبدو بسيطة، لكنها تحمل في طياتها استخفافًا غير مبرر حين تُستخدم لتقليل قيمة الجهود العظيمة.
ولذلك نحن بحاجة إلى تجاوز هذا النوع من التفكير، خصوصًا من قبل بعض دولنا العربية، والعمل على ترسيخ ثقافة تقدّر الإنجازات بوضوح وشفافية، بعيدًا عن المواربة والتشكيك.
المملكة العربية السعودية تستحق الاعتراف الكامل، ليس فقط لما تقدمه، بل لأنها تمثل نموذجًا للعطاء غير المشروط، بقيادة حكيمة جعلت من الإنسانية محورًا لسياساتها ومواقفها.
كما ينبغي لنا نحن السعوديين ألّا نسمح لمطلقي مثل هذه العبارات أن يغيّروا مفاهيمنا أو ينالوا من قناعاتنا، وألّا نقلل من قيمة ما تحققه بلادنا من إنجازات عظيمة. فالوطن الذي يبذل ويعطي بسخاء، يستحق منّا أن نحمي صورته، ونرفع من شأنه، لا أن نسمح للتثبيط بأن يتسلل إلى عزيمتنا أو يشوّه طموحاتنا.