سهام القحطاني
بعض المفكرين «يصنعون المنهج وبعضهم يسقطون في فخ المنهج».
رفض طه حسين الطرق التقليدية لدراسة اللغة والأدب، فهي طريقة لم تسهم في تطور الأدب العربي بل قيدته و»أثقلته بالأغلال والقيود»-الأدب الجاهلي، طه حسين، 13.
قامت دعوة طه حسين في تطوير دراسة اللغة والأدب على أساسين «تحرير اللغة والأدب من قيودهما، وتطبيق مناهج البحث العلمي عليهما».
وإن تلك القيود المانعة من الترقية العلمية لدراسة اللغة والأدب هو في تحويلهما إلى علم مقدس فيقول: «اللغة والآداب إذا مقدسة، لا تستطيع أن تخضع للبحث العلمي الصحيح، وكيف تريد أن تخضعها، وهذا قد يستلزم النقد والشك، وعلى هذا النحو يصبح الدرس العلمي للغة والأدب خطرا»-السابق، ص48.
وبذلك فإن تطبيق المنهج العلمي على اللغة والأدب لا يمكن أن يتحقق إلا بوجود حرية فكر فهي «شرط أساسي، فأنا أريد أن أدرس تاريخ الآداب في حرية وشرف». السابق48.
ولا يمكن تحريرهما من استعمار التقليد إلا بأمرين: وجود حرية مطلقة، وفك الارتباط بينهما وبين صفة الديني، وخضوعهما للبحث والشك والتحليل والنقد فيقول: «فالأدب العربي بحاجة إلى حرية، وهو في حاجة ألا يعد علما دينيا، وهو في حاجة إلى أن يتحرر من هذا التقديس، وهو في حاجة إلى أن يكون كغيره من العلوم قادرا على أن يخضع للبحث والنقد والتحليل والشك والرفض والإنكار، واللغة العربية في حاجة إلى أن تتحلل من التقديس، يوم يتحرر الأدب من هذه التبعية، ويوم تتحلل اللغة من هذا التقديس يستقيم الأدب حقا». السابق، 49.
ويمكن تلخيص الاتجاه العقلي لدراسة اللغة والأدب عند طه حسين فيما يلي:
* الشك والتجرد من كل معرفة سابقة «للبحث عن حقائق الأشياء»-56- فيقول «فلست أريد أن أقول البحث، وإنما أريد أن أقول الشك، أريد ألا نقبل شيئا مما قاله القدماء في الأدب وتاريخه إلا بعد بحث إن لم ينتهيا إلى اليقين فقد ينتهيان إلى الرجحان». السابق 52.
* النموذج وآلية الهدم والإفراع؛ واختار الشعر الجاهلي ليطبق عليه منهج الشك لأن لا مكتوب نقل لنا الشعر الجاهلي في زمانه - والكتابة رجحان وإن لم تكن يقينا خالصا-، وإنما المكتوب كان بعد ذلك في عصور عرف فيها العرب الكتابة، وهذا المدى الزمني الطويل لا يمكن أن يحقق صدق المنقول وسلامته التاريخية ولذا لا يطمئن المجددون إلى ما قال القدماء إنما «يتلقونه بالشك.. فيتجاهلون إجماع القدماء على ما أجمعوا عليه ويتساءلون أهناك شعر جاهلي؟ فإن كان هناك شعر جاهلي فما السبيل إلى معرفته؟» ص54.
هذه الأسئلة التي تنقلب على ما كان يعد يقينا بالشك تقود إلى «ثورة أدبية» قد تؤدي إلى «تغيير التاريخ، أو ما اتفق الناس على أنه تاريخ». 54.
* مقارنة الأثر بواقع المتأثر، ووجود اختلاف بينهما هو دافع إلى الشك في صحة أحدهما، فالشعر الجاهلي يتوافق مع واقع العرب ما بعد الإسلام، «في ميولهم وأهوائهم أكثر مما يمثل حياة الجاهلية»، ولذلك لا يمكن أن يمثل وثيقة أدبية للعصر الجاهلي وظرفياته المختلفة.
* مبدأ النشوء والارتقاء، أن الشعر الذي نسب إلى الجاهلية يتوافق في مستوى الجودة فيما بعده، وهو ما يعني أن ذلك يخالف مبدأ النشوء والارتقاء، فجودة ما بعد الشعر الجاهلي يجب أن تفوق ما بعد لا أن تتساوى في ذات الجودة رغم فواصل الزمن والثقافة.
* الفجوات الفنية واللغوية التي تسيطر على ما نسب أنه من الشعر الجاهلي، فهي لا تنطبق على لغة شعراء الجاهلية وفي هذا المؤشر يرى أنه «أقوى دلالة وأنهض حجة». 55.
ويدعم هذا الرأي بأن العلماء قد استشهدوا بالشعر الجاهلي في تفسير القرآن، وكان عليهم أن يستشهدوا بالقرآن على تفسير هذا الشعر، لو كان يمثل فترة ما قبل نزول القرآن الكريم.
وهذه المسألة تفتح الباب إلى الشك بأن الشعر قد تكلف واخترع «اختراعا ليستشهد بها العلماء على ما كانوا يريدون أن يستشهدوا عليه». 56.
وأخبرا: لقد تأثر طه حسين بالاتجاه العقلي للنظريات في عصره، ولم يتبنى نظرية علمية بعينها، وإنما أخذ من كل نظرية طرفا ليشكل له اتجاهه العقلي الخاص «الشك فلا حقيقة مطلقة، والهدم كقانون من قوانين النشوء والارتقاء، والتكذيب فلا صدق في وجود دليل تكذيب مثل الانتحال، والإنكار لكل ما لا يتوافق مع استنتاج العقل».
كما تأثر بتطبيقات تلك النظريات وخاصة في تاريخ الآداب واللغات، وحاول أن ينقل الأدب واللغة إلى محيط حقولها.
لقد مضى طه حسين الذي نحسن الظن بغايته، وكانت فكرته زوبعة في فنجان وظل الشعر الجاهلي وسيظل وثيقة تاريخية لأصالة أدب ولغة خالدة، كما سيظل طه حسين «علما في فكره نار».