د. رانيا القرعاوي
تمر الشركات أحيانًا بلحظات صعبة، حيث تفاجئ عملاءها وشركاءها بخسائر غير متوقعة، ما يفتح الباب أمام تساؤلات حول قدرتها على العودة لتحقيق الأرباح للمستثمرين. فالشركات التي كانت تُصنف طويلاً كرموز للربحية والاستثمار الآمن، قد تجد نفسها فجأة في مواجهة أزمة ثقة لا تقل خطورة عن الخسائر المالية ذاتها.
في مثل هذه اللحظات، لا يكفي أن تكتفي الشركة ببيان صحفي أو مؤتمر صحفي للإعلان عن ما حدث. المطلوب، بل عليها تبني خطة تواصلية مدروسة توضح للجمهور أن ما حدث ليس نهاية المطاف، بل بداية جديدة لإصلاح المسار واستعادة الثقة. وهنا تبرز أهمية الإعلام كوسيلة رئيسة لإعادة بناء الصورة الذهنية وتعزيز المصداقية. فالشركة بحاجة لتبني سياسة تواصل فعَّالة توضح بها الخطط التصحيحية التي تعتزم تنفيذها، وتعلن عنها في شكل قصة تحوّل واضحة الملامح والخطوات توحي بأن الخسارة التي تمر بها الآن ستكون هي بداية لتصحيح المسار.
أحد أنجح النماذج التي يمكن التعلّم منها في هذا السياق هو ما قامت به شركة فورد الأمريكية عام 2006، عندما واجهت أزمة مالية خانقة هددت بقاءها. لم تكتفِ فورد بإعادة الهيكلة وخفض التكاليف فحسب، بل أطلقت حملة إعلامية واسعة تحت عنوان «الطريق إلى الأمام»، ظهر خلالها الرئيس التنفيذي في الإعلام مرارًا بلغة واضحة وصادقة قائلاً: «لا يمكننا أن نكسب الثقة بالكلام فقط، بل بالظهور والعمل والنتائج». وبفضل هذا الظهور المستمر والخطاب المقنع، استطاعت الشركة أن تتفادى الإفلاس، وتعود لتحقيق الأرباح خلال أقل من ثلاث سنوات.
هناك أيضًا نموذج «4R» لإدارة الأزمات، الذي يعتمد على أربع مراحل أساسية: الاستبدال، إعادة الهيكلة، التطوير، وإعادة الترويج. وقد نجحت شركات كبرى في تطبيقه مثل Johnson الجزيرة Johnson التي واجهت أزمة قاتلة عام 1982 بعد اكتشاف حالات تسمم لمنتجها الشهير Tylenol. تعاملت الشركة بشجاعة مع الموقف، سحبت جميع العبوات المتضررة من السوق، وابتكرت حلولاً جديدة لضمان سلامة المنتج، مما ساعدها على استعادة ثقة الجمهور وزيادة حصتها السوقية.
وتؤكد دراسة صادرة عن مجموعة بوسطن الاستشارية عام 2024 أن 30 % من الشركات الكبرى حول العالم واجهت انخفاضًا في مستويات الثقة نتيجة أزمات مختلفة، إلا أن 12 شركة فقط تمكنت من استعادتها بفضل اعتمادها على إستراتيجيات إعلامية مدروسة قائمة على الوضوح والتواصل المستمر مع أصحاب المصلحة.
استعادة الثقة تتطلب من الشركات أن تتبنى نظرية الحضور الإعلامي الإستراتيجي، والقائمة على الظهور المنتظم والمدروس للشخصيات القيادية في الإعلام المحلي والدولي، ومخاطبة جمهورها بلغة تعكس القوة والمرونة والقدرة على التجديد.
وإذا نجحت أي شركة في إدارة أزمتها بهذا النهج، فستتحول قصتها من مجرد خسارة مؤقتة إلى قصة نجاح مُلهمة تُروى في عالم الأعمال، تمامًا كما فعلت كبرى الشركات عندما تجاوزت خسارتها وعادت من جديد.
** **
- متخصصة في قضايا الاقتصاد والطاقة وإدارة الاتصال في الأزمات