د.عبدالعزيز عبدالله الأسمري
في خطوة تحمل أبعادًا إستراتيجية تتجاوز الشكل البروتوكولي المعتاد للزيارات الرئاسية، يقوم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بزيارة رسمية إلى المملكة العربية السعودية خلال شهر مايو الحالي وفقًا لما أعلنه البيت الأبيض.
وتأتي هذه الزيارة في وقت بالغ الأهمية، كونها أول تحرك خارجي لترامب بعد تنصيبه لولاية ثانية غير متتالية، في ظل واقع دستوري لا يتيح له الترشح للرئاسة لولاية ثالثة.
وهو ما يخرجها من إطار الحملات الانتخابية والدعاية الشخصية، لتأخذ بعدًا سياسيًا واقتصاديًا خالصًا، يعكس توجهات إدارته نحو إرساء الحضور الأمريكي وتعزيز التحالفات مع القوى المؤثرة في المنطقة، وذلك بطريقة تتجاوز المألوف في العمل الدبلوماسي التقليدي.
زيارة ترامب القادمة إلى الرياض تعيد إلى الأذهان زيارته التاريخية الماضية في عام 2017، والتي كانت أول محطة دولية يزورها بعد انتخابه آنذاك، وقد حضر حينها قمة جمعت العشرات من قادة الدول العربية والإسلامية في الرياض. غير أن ملامح عام 2025 مختلفة تمامًا؛ فالعالم يشهد حالة من التوترات المتعددة، وتغير في موازين القوى على الساحة الدولية، فضلًا عن تحولات في أسواق الطاقة، وتنامي إيجابي للدور السعودي كفاعل رئيسي في السياسة الدولية، سواء كان ذلك في المجال الاقتصادي أو في عقد الوساطات الإقليمية والدولية. لهذا، فإن زيارة الرئيس الأمريكي تأتي لتعيد التموضع لواشنطن في منطقة الخليج، عبر استثمار اللحظة، السياسية والاقتصادية.
تعكس هذه الزيارة توجه إدارة ترامب نحو إعادة بناء الدور الأمريكي من خلال الأدوات الاقتصادية، لا سيما عبر شراكات مع دول ذات ثقل مالي واستثماري كالسعودية.
كما أن اختيار السعودية كشريك في هذه المعادلة ليس عشوائيًا؛ فهي تملك القدرة على تحريك الأسواق، وتمتلك تأثيرًا متصاعدًا في ملفات الطاقة، والذكاء الاصطناعي، والتحولات الجيوسياسية.
وبالتالي، فإن ترامب، من خلال هذه الزيارة، لا يسعى فقط إلى توقيع صفقات، بل إلى ترسيخ رؤية تُظهر واشنطن كلاعب محوري لا يزال يمتلك أدوات اقتصادية مؤثرة قادرة على إعادة تشكيل التوازنات الدولية إلى جانبه، دون الاعتماد الكامل على القوة الصلبة. من المتوقع أيضًا أن تتناول الزيارة ملفات سياسية وأمنية كبرى، في مقدمتها الملف النووي الإيراني، والحرب في أوكرانيا، وأمن الملاحة في البحر الأحمر، فضلًا عن مساعي الاستقرار في المنطقة العربية. وتأتي هذه الملفات ضمن محاولات أمريكية مستمرة لإعادة تثبيت الدور القيادي لواشنطن، ومواجهة التمدد الروسي والصيني في مناطق التأثير التقليدية. في نهاية المطاف، لا يمكن فصل زيارة ترامب للمملكة عن رغبته في ترسيخ إرث سياسي يتجاوز حدود الرئاسة، عبر إعادة رسم خريطة التحالفات الأمريكية من بوابة الرياض.
فالسعودية لم تعد مجرد حليف تقليدي، بل باتت رقماً صعباً في معادلات الاقتصاد والطاقة والتوازنات الدولية، وصوتًا مؤثرًا في السياسات الإقليمية والدولية والدبلوماسية متعددة المسارات.