الهادي التليلي
عندما تتحدث عن علاقة تونس بالمملكة العربية السعودية تستوقفك محطات من النجاح والمحبة والفخر، علاقة أحرجت الغرب ولم يفهم كنهها ومغزاها، علاقة بدأت قبل كل هذه الأجيال ونعني فتح شمال إفريقيا من خلال عقبة بن نافع، فكانت تونس منارة للإسلام ليس فقط في شمال إفريقيا بل في كامل إفريقيا، وتواصلت على مدى الأجيال ليأتي الملك عبد العزيز ويفعل هذه العلاقة بما تستحق من عبق ومحبة، وقبل أن يغدق على الحركة الوطنية التونسية في مرحلة النضال من أجل التحرر ودعمه المادي الكبير للزعيم الراحل الحبيب بورقيبة سنة 1951 حين استقبله، فقد اصطفى أحد الأدمغة التونسية القادمة من ليبيا آنذاك ونعني ابن جزيرة قرقنة خالد القرقني، بل ولم يكتف بكل هذا، فقدم بتجربته وحنكته ونصح الزعيم الحبيب بورقيبة بسياسة الري قطرة قطرة في النضال والمعبر عنها بسياسة المراحل، والتي عرف بها بورقيبة في ما بعد، وفي اجتماع أريحا لم يسمعه أحد من العرب ولكنهم ندموا كل الندم لعدم الإصغاء لصوت العقل، ويحضرني ما أخبر به الرئيس التونسي الراحل الباجي قائد السبسي، والذي كان معاصرا وقريبا جدا من الزعيم الحبيب بورقيبة حين استقبل سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بأن بورقيبة استلهم سياسة المراحل من الملك عبد العزيز، وتواصل الدعم والسند مع كل الملوك السعوديين، فالملك سعود، وهذا للتاريخ، وضع كل إمكانيات المملكة سنة 1963لنصرة الشعب التونسي في حرب بنزت والتي تسمى بحرب الجلاء وما لا يعرفه الكثيرون فإن الكثيرين من أبناء السعودية الغراء طالبوا بالتطوع لنصرة القضية التونسية، وهي مواقف لا تنساها الذاكرة التونسية لمواقف المملكة ومحبة ملوكها لبلدهم تونس، مواقف لا تخفى على لبيب، ولعل زيارة الأمراء قبل أن يصبحوا ملوكا لبلدهم الثاني تونس أكبر دليل؛ ففي أواسط السبعينيات زارها الملك سعود مرتين وحينها كان أميرا وبين منتصف الستينيات وبداية السبعينيات زارها الملك فيصل مرتين وقد حظي باستقبال مشهود وفي سنة 1979زارها الملك فهد حينما كان وليا للعهد، وفي سنة 1988زارها الملك سلمان حيث كان حينها أميرا للرياض كما زارها الملك عبد الله أيضا حين كان وليا للعهد سنة 1999، ولعل الزيارة الأكثر توهجا زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بمناسبة القمة العربية والتي أعادت عبق المحبة والمودة إلى أبهى صورة، وخلالها منح بلده الثاني تونس وتحديدا مدينة القيروان مستشفى جامعياختار التونسيون أن يطلقوا عليه مستشفى الملك سلمان، وكأن الملك سلمان باختياره للقيروان إعادة للذاكرة الجماعية صورة عقبة ابن نافع ولكن بالمنجز الخيري من خلال المستشفى أيضا تعد زيارة سمو ولي العهد في 27 نوفمبر 2018 فرصة لبناء استراتيجية مستقبلية للعلاقات بين البلدين الحبيبين، تجلت ثمارها في الوقفة التاريخية للمملكة مع تونس في ما بعد أيام جائحة كورونا حيث كانت هبة المملكة كفيلة بإنقاذ الآلاف المؤلفة من الموت بسبب العدوى من خلال منحة الملك سلمان عبر مركز الملك سلمان للإغاثة من خلال مليون جرعة لقاح إضافة إلى مواد ومستلزمات عديدة منها أجهزة تنفس صناعي وأجهزة تكثيف أكسجين وأسرة طبية وغيرها.
تونس لا تنسى مواقف شقيقتها المملكة العربية السعودية وقيادتها الحكيمة والتي على رأسها ملكها المفدى وولي عهدها الأمين، وهذه المودة تحرج الكثيرين لأنها وهذا ديدن القيادة السعودية تدخل في ثقافة المملكة وقيمها على عكس ما يقدمه الغرب وغيرهم من مواقف محسوبة ومدفوعة الأجر سياديا، لذلك محبة كل تونسي أصيل للمملكة تعد مزيجا رائعا من التقدير والمحبة والعرفان، ويكفي التكريم لتونس وثقافتها من خلال إحدى دورات معرض الرياض الدولي للكتاب، والذي جمع شمل الأسرة الثقافية والإبداعية التونسية، كما لم تجتمع من قبل وبالمثل كان تكريم السينمائيين والإعلاميين السعوديين المرموقين من خلال أيام قرطاج السينمائية، والتي كان من بين المكرمين فيها القامة الإعلامية العربية خالد المالك.
ولمن لا يقرأ التاريخ جيدا؛ فالعلاقات التونسية السعودية تحلق في سماء المحبة، ومن يحرجهم هذا النجاح فإن قلقهم لا يعطل هذه المسيرة وإنما يغذيها.
** **
- كاتب تونسي