رمضان جريدي العنزي
لا يغرنك مظهر مستعار
فكثير من الأصحاء مرضى
لا يشترط في المرض أن يكون من الأمراض الفتاكة كالسل والطاعون والسرطان والجدري، فإن سواد القلب، وبشاعة الأخلاق، وسوء التعامل، والتكبر والفوقية والتعالي والكذب والبهت والغرور والحقد الدفين، والبحث عن المجد والضوء والشهرة والتسلق على الأكتاف على حساب الآخرين، وايجادة المناكفة والمخاصمة والمنازعة واختلاق المشاكل وافتراء الكذب، من أسوأ الأمراض وأردأها وأبشعها وأخطرها، إن من أعظم المفارقات، أن يكون مظهر الإنسان يختلف جذرياً عن باطنه، وقوله لا يوافق فعله.
إن من أبشع ما ينحدر إليه الإنسان وصوله إلى مرحلة من الازدواجية المقيتة، والتناقضات البغيضة، والأفعال المريبة، والعيش بوجهين، وجه في الصباح، ووجه آخر في المساء، يعيث مع الذئب، ويبكي مع الراعي!
إن من غرائب أصحاب المظاهر المستعارة، الهيام بحب الذات والتشرنق حولها، يجترحون من المآثم والخطايا والذنوب للوصول لأهداف شخصية بحتة، حتى وإن تدحرجوا إلى الحضيض، لا يتورعون عن الكذب، ولا يترفعون عن التزييف وقلب الحقائق، هؤلاء لا يستطيعون أن يعيشوا بسلام ووئام مع الآخرين، ولا يحبذون النجاح والتفوق للمتميزين، تفور نفوسهم غلاً وحسداً كما يفور التنور، ويضعون الخطط الماكرة للإيقاع بأولئك المتفوقين الذين لا ذنب لهم سوى نجاحاتهم وبروزهم وتميزهم، يستهوون الظهور والبروز على المسرح الاجتماعي، ويحاولون بكل وسيلة الوصول لغاياتهم الدنيئة، لا يحبون النابهين ولا البارعين في أي حقل من الحقول، إنهم يريدون أن يسجلوا لأنفسهم موقعا ولوعلي حساب الآخرين مهما كانت الوسيلة، يحشدون حولهم الشعراء والمستشعرين و(المسولفجية)، وأهل التأليف الكاذب، ومخترعي الروايات الباهتة، والمتملقين المتلونين.
إن الشخص الواثق من نفسه، لا يحتاج إلى تعريف، ولا إلى جوقة من المصفقين، فيكفي ان يذكر أسمه مجرداً من أي صفته، فتشرئب له الأعناق، وتراه ملء العقول والقلوب والأسماع، لكن الكسيح علمياً واجتماعياً وإن حاز المنصب، وأطلق عليه اللقب، وقيلت فيه القصائد، والتقطت له الصور، واحتفى به الناس، لا وجود حقيقيا له، وبالتالي نراه يلجأ إلى التزويق والتنميق، وإضفاء الصفات والنعوت على نفسه لإخراجها من دائرة العتمة والظلام، إلى دائرة الضوء، لكن الحقيقة تبقى حقيقة، والظاهرة تبقى ظاهرة، والمظهر المستعار يبقى مظهراً مستعاراً وأن أعطي اسم غيره، والحية حية سمها في جوفها، وإن بدلت جلدها.