فضل بن سعد البوعينين
اختار الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن يستهل جولته الخارجية من العاصمة الرياض، ما يؤكد عمق الشراكة الاستراتيجية بين المملكة وأميركا، إضافة إلى العلاقات المتميزة بين سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والرئيس ترامب، الذي وصف سموه في أكثر من مرة بـ«الصديق المقرب».
تكتسب زيارة الرئيس ترامب إلى المملكة، أهمية بالغة، خاصة أنها تأتي للتأكيد على العلاقات العميقة، وأهمية المملكة ودورها الحيوي في تعزيز أمن واقتصاد المنطقة والعالم. رؤية جديدة يحملها الرئيس الأميركي، ووعود مُبشرة سبقت زيارته الحالية، ما عزز التفاؤل بنتائجها، وانعكاساتها الإيجابية على دول المنطقة.
زيارة مهمة تعكس توجه الرئيس ترامب لإعادة هيكلة العلاقات الأميركية الدولية، وملء الفراغ الذي تركته الإدارة السابقة في المنطقة، ورغبته في الكشف عن توجهات واشنطن الجديدة تجاه الشرق الأوسط، واستهدافه بناء شراكة عميقة ومستقرة، ورؤيته الخاصة التي تعتمد التبادلات التجارية والتدفقات الاستثمارية، والشراكات الاقتصادية، والتنموية والثقافية، قاعدة لمد جسور الشراكات الإستراتيجية المستدامة.
استضافة المملكة لقمة تجمع الرئيس الأميركي ونظراءه زعماء دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، تؤكد حرص المملكة على تنسيق الجهود الدبلوماسية، والتحرك ككتلة واحدة محققة لمصالح الدول والشعوب الخليجية. وهو أمر مهم، يعزز مكانة دول الخليج، وقدرتها التفاوضية، على المستوى الدولي، ويحقق التكامل المنشود بينها، ما يستوجب حشد الجهود لتحقيق القدر الأكبر من المكاسب للدول الخليجية، بمعزل عن الملفات الإقليمية الأخرى، التي يفترض أن تتوحد المواقف تجاهها، وبما يخدم مصلحة الدول الخليجية، ويحقق الأمن والسلم الدولي، ويزيل كافة التحديات. فالأمر يتجاوز تقديم رؤية الرئيس الأميركي بشأن انخراط الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط وتحديد مصالح بلاده في المنطقة، إلى تحديد مصالح الدول الخليجية وجعلها أولوية تفاوضية، ضامنة لمخرجات القمة الإيجابية.
المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، أشارت إلى أن الرئيس ترامب في زيارته سيعيد التأكيد على رؤيته المُستمرة لشرق أوسط فخور ومزدهر وناجح. وهي رؤية مطابقة لرؤية سمو ولي العهد التي كشف عنها في منتدى «مبادرة مستقبل الاستثمار» العام 2018، وأكد أن تغير التطورات الاقتصادية الحاصلة في المنطقة ستجعل منطقة الشرق الأوسط بمثابة «أوروبا جديدة».
كثيرة هي الملفات السياسية والأمنية المتوقع مناقشتها، وعلى الرغم من أهمية معالجة تلك القضايا والتحديات، بشمولية محققة لأمن واستقرار المنطقة، تبقى القضايا الوطنية أكثر أهمية. حيث تمضي المملكة في تنفيذ رؤيتها الطموحة، واستكمال برامج التحول الاقتصادي، واستكمال بناء الدولة الحديثة على أسس مستدامة، تحاكي فيها دول العالم المتقدم، مستفيدة من مقوماتها السياسية والاقتصادية وملاءتها المالية وثرواتها الطبيعية، وموقعها الإستراتيجي، وعمقها الإسلامي والعربي. مرحلة مهمة من مراحل البناء الإستراتيجي، تحتاج لمزيد من الجهود، ومد جسور التواصل، وبناء الشراكات الاقتصادية النوعية الداعمة لتحقيق مستهدفات الرؤية، والأمن الوطني الشامل. كما تحتاج إلى استقرار يسهم في دفع جهود التنمية، وإعادة البناء، بعيداً عن التشتت الذي تحدثه القضايا الإقليمية، السياسية منها والأمنية.
تبذل المملكة جهوداً مستدامة من أجل التوصل إلى اتفاقيات سلام عادلة في المنطقة، ومعالجة القضايا الشائكة، وبما يسهم في إطلاق قطار التنمية وإعادة الإعمار، وتحقيق التكامل الاقتصادي المفضي إلى شرق أوسط مزدهر. وتهتم أيضاً بدعم التنمية، ومساعدة الدول الشقيقة، التي يفترض أن تكون أكثر تفهما لمتطلبات المرحلة القادمة، وأكثر حرصاً على السلام والوئام، وتبنياً لمشروعات التنمية والبناء لا الحرب والدمار.
أصبحت الإدارة الأميركية بقيادة الرئيس ترامب أكثر انفتاحا على دول الخليج العربي والمنطقة، ومن خلال رؤيته الاقتصادية القائمة على العلاقات التجارية والاستثمارية، يمكن تعزيز جهود التحول الاقتصادي في المملكة، وتنفيذ البرامج التنموية التي أسهمت الإدارة الأميركية السابقة، في تعطيلها. الشراكة الاقتصادية، هي السبيل الأمثل لتعزيز العلاقات الإستراتيجية. توافق مستهدفات رؤية السعودية 2030، مع رؤية الرئيس ترامب الاستثمارية، تسهل من عمليات الإنجاز، وتحقيق المستهدفات الرئيسة في جميع القطاعات الاقتصادية.
الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة الأميركية، استقرار أسواق النفط، صفقات الأسلحة الدفاعية والهجومية، بناء المفاعلات النووية السلمية، نقل التقنية، توطين صناعة الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات، والذكاء الاصطناعي، وتحقيق الأمن الغذائي من أهم الملفات الوطنية التي تتطلب تسخير كافة الجهود لتحقيقها، وبمعزل عن تحديات الملفات الإقليمية الأخرى. استكمال خطط بناء الاقتصاد، وتعزيز التنمية، وبناء الإنسان والمكان، وتحقيق الأمن الوطني هو الأكثر أهمية للمملكة، والذي تسعى القيادة الرشيدة إلى تحقيقه.