إعداد - عبدالله عبدالرحمن الخفاجي:
حينما تجتمع مفردات التراث والأصالة بين الأعمال الفنية وطبيعة المكان التي تعرض به لتشكل مزيجاً إبداعياً يظهر إرثاً تشبع بالعراقة، ينقلنا بين الفخر والانتماء وبين مشاعر الحنين، ليكون معرضاً اكتملت تفاصيله بهوية مزجت المعاصرة والحداثة بالإرث الفني والثقافي.
افتتحت الفنانة التشكيلية عائشة الحارثي معرضها الشخصي «دريشة» في جاليري سينرجي بمحافظة الدرعية، بحضور نخبة من الفنانين والمثقفين والإعلاميين والمهتمين بالفن التشكيلي.
تضمن المعرض عرض تجربة جديدة من تجارب الفنانة التشكيلية عائشة الحارثي التي تميزت بأسلوبها وهويتها البصرية وتجاربها الإبداعية، حيث جمعت في هذا المعرض عشرات الأعمال الفنية التي تناولت مفردة «الدريشة» لتكون نافذة تطل على الماضي بأسلوب إبداعي معاصر، لتجمع من خلال هذه النافذة الكثير من الذكريات التي مرت بحقبة من الزمن، بين أصالة الانتماء والوطنية وبين أحاسيس فنان وثق مرحلة حملت الكثير له وللمجتمع من خلال فلسفة فنية مختلفة.
اختارت الحارثي مفردات تراثية مثل الإبل والخيل والغزال، كما اختارت مفردات زخرفية تراثية ونقوش وأقمشة بألوانها الميزة، وبرز النخيل والخزامى ليجمع بين الشموخ والجمال، وعملت أيضاً على الكثير من المفردات الأخرى التي تعود بنا إلى عقود قد مضت لنعيشها مجدداً بكل شغف. كان لاختيار المكان أيضاً روح مميزة أكملت الهوية البصرية للمعرض ليعيش المتلقي تفاصيل هذا المعرض بكل معانيها، حيث إن الجاليري هو عبارة عن بيت طيني قديم من بيوت محافظة الدرعية في حي السمحانية تم تأهيله ليحتضن الفن بأسلوب مختلف وروح تتقلب فيها صفحات الماضي والحنين له.
وأوضحت الفنانة التشكيلية عائشة الحارثي عن رؤيتها للمعرض: (إنه نافذة على الذاكرة... وإطلالة على الماضي من خيال الحاضر).
تُطلّ الفنانة عائشة الحارثي من خلال معرضها «دريشة» على مشاهد نابضة من الحياة السعودية، مستحضرة التراث والهوية بعين معاصرة وروح حالمة.
كل لوحة في هذا المعرض تمثل «دريشة» فنية تُفتح على مشهد، إحساس، أو لحظة من الزمن، حيث تتداخل الزخارف، الألوان، والعناصر البصرية مع ملامح الحياة الفطرية والاجتماعية، لتُعيد تشكيل الذاكرة بطريقة تلامس الوجدان والبصر.
هاجس الفنانة كان دائمًا نقل الذاكرة والإحساس عبر الزمن، محاولةً خلق تجربة فنية ثلاثية الأبعاد تعبر من خلالها إلى الماضي، وتمنح الزائر مساحة ليعيش المشهد ويستحضره بكل حواسه.
وقد جاء اختيارها للماضي موضوعًا رئيسًا، استجابةً لما شهدته الألفية من قفزات وتحولات سريعة غيّرت وجه الحياة ونمطها، فكان لا بد من وقفة، من تأمل، من استعادة.
إننا بحاجة لأن نخاطب الماضي، لا كذكرى فقط، بل كحضور نعيشه ونفهمه من جديد.
يقام المعرض في بيت شعبي قديم في الدرعية التاريخية (غاليري سينرجي) لتكتمل التجربة بجمال المكان، وعمق الحكاية، وصدق الشعور.
«دريشة» هو دعوة فنية مفتوحة للتأمل، والتذكّر، والعودة إلى ما يجعلنا نحن... بشعور، برائحة، بلون، وبحنين لا يُنسى).
الفنانة التشكيلية عائشة الحارثي فنانة تشكيلية سعودية، تستلهم أعمالها من الذاكرة البصرية والثقافة المحلية، وتمزج بين الخيال والواقع بأسلوب تعبيري معاصر.
تركّز في تجربتها الفنية على إعادة تشكيل الموروث الشعبي والعناصر البيئية برؤية جديدة تلامس الحواس، وتوثّق اللحظة بأسلوب بصري غني بالرموز والدلالات.
تهتم بتجسيد العلاقة بين الإنسان والمكان، وتُعبر عن الحنين للماضي من خلال تكوينات لونية وزخرفية تنبع من التراث، وتُحاكي الحاضر بلغة الفن.
وتوافق المعرض مع الذكرى الأولى لرحيل صاحب السمو الملكي الأمير بدر بن عبدالمحسن - رحمه الله - الذي كان لشعره الأثر الكبير في مسيرة الفنانة التشكيلية عائشة الحارثي، حيث استشهدت في بداية المعرض بلوحة بعنوان «نستاهلك» وكتبت بجانبها: ( كان ملهماً في أعمال معرضي خوالد عام 2021-1443
وأجدد بلوحة «نستاهلك»
قصيدة الوطن
ذكرى خلود شعره
وخلود إبداعه
رحمه الله
ما نشدت الشمس عن حزن الغياب
علمتنا الشمس
نرضى بالرحيل
4-5-2024
مرت سنة على غيابه
وظل شعره خالداً للوطن والشعر والحياة
الأمير الشاعر مهندس الكلمة
(بدر بن عبدالمحسن آل سعود)
ومن أعمال المعرض لوحة «دار السعد والعز»، وعنها قالت الحارثي: (في فجر الخامس من شوال عام 1319هـ، الموافق 15 يناير 1902م، انطلقت شرارة المجد والعز من قلب الجزيرة العربية، حينما قاد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود مجموعة من رجاله الأوفياء، لا يتجاوز عددهم الأربعين، في مهمة بطولية لاستعادة الرياض، عاصمة أجداده.
تسللوا تحت جنح الظلام إلى قصر المصمك، الحصن المنيع، وتمكنوا من اقتحامه بعد معركة حاسمة، انتهت بإعلان عبدالعزيز حاكمًا للرياض، مؤسسًا بذلك نواة الدولة السعودية الثالثة.
تجسد لوحة «دار السعد والعز» هذه اللحظة التاريخية الفارقة، حيث تبدأ من نافذة تطل على رموز الماضي: قصر المصمك، وأبطال التوحيد. ثم ترتقي اللوحة بصريًا نحو الأعلى، متتبعة مسيرة النهضة والتطور، متجسدة في رموز رؤية المملكة 2030 التي يقودها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وفي قمة اللوحة، تتوج الكعبة المشرفة المشهد، تطوف حولها عبارة «الله أكبر» باللون الأبيض، رمزًا للإيمان والتوحيد. إنها لوحة توثق رحلة وطن: من بطولات الماضي، عبر حاضر مزدهر، إلى مستقبل مشرق).
ويبقى الماضي حجر الأساس لكل حاضر ومستقبل، ومنه نستمد آمالنا وطموحاتنا لنرتقي بها أكثر، ومن مشاعره وذكرياته نكتب قصص وروايات النجاح القادمة وبه قوتنا وله انتماؤنا، ففيه عاش آباؤنا وأجدادنا، ويبقى فخراً تكتمل به حضارتنا ويرتقي به مستقبلنا.
** **
تويتر: AL_KHAFAJII