محمد عاطف
كنتُ -كحال كثيرين- منبهرًا بتسارع أدوات الذكاء الاصطناعي، فبين أداة تُحرّر النصوص، وأخرى تُحلل البيانات، وثالثة تصمم العروض التقديمية، وجدت نفسي أتنقل بينها وكأنني قائد أوركسترا يوجه كل آلة على حدة. لكن بدلاً من أن أسمع سيمفونية من الإنجاز، كنت أواجه فوضى من المهام المكررة، وتشتيتًا ذهنيًا يصعب السيطرة عليه.
في لحظة تأمل، سألت نفسي: لماذا أحتاج إلى عشر أدوات.. في حين أنني بحاجة إلى مساعد واحد يفهمني، يدرك هدفي، ويقوم بالمهمة من تلقاء نفسه؟
ومن هنا بدأ فضولي تجاه مفهوم جديد بدأ يتسلل إلى أوساط التكنولوجيا: الذكاء الاصطناعي القائم على الوكالة – Agentic AI.
فما المقصود بالـAgentic AI؟ وما الفرق بينه وبين النماذج التقليدية؟
الذكاء الاصطناعي التقليدي، أو ما يُعرف بـAI Agent، يعمل وفق نموذج الأوامر المباشرة: تمنحه مهمة واضحة، فينفذها بدقة، لكنه لا يتعدى حدود ما طُلب منه.
أما Agentic AI، فهو يمثل نقلة نوعية، يتجاوز كونه أداة تنفيذ، ليصبح أشبه بـ «شريك رقمي» يفهم السياق، يحدد الأهداف، يضع الخطط، ويتخذ قرارات مستقلة لتنفيذ المهام دون توجيه مباشر.
إنه ذكاء اصطناعي يمتلك ما يشبه «النية»، ويعمل بفكر استباقي يتكامل مع الإنسان لا ليأخذ مكانه، بل ليمنحه مساحة أوسع للتفكير والابتكار.
لماذا يتجه العالم نحو هذا النوع من الذكاء؟
الإجابة ببساطة: لأننا تعبنا. أصبحنا منهكين من التبديل المستمر بين الأدوات، من كتابة التعليمات الدقيقة، ومن المهام المتكررة التي تستهلك طاقتنا دون أن تضيف لقيمتنا الحقيقية.
العالم اليوم لا يبحث عن أدوات إضافية.. بل يبحث عن وكيل رقمي قادر على فهم الهدف وتحقيقه بأقل تدخل بشري ممكن.
على سبيل المثال، من أهم الأمثلة التطبيقية على Agentic AI، منصة Manus وهي منصة حديثة تتيح للمستخدم كتابة جملة مثل: «أريد إطلاق منتج جديد»، ومن ثم يتكفل الوكيل الذكي بإعداد خطة الحملة، وإنشاء المواد التسويقية، وتنظيم مواعيد الإطلاق، ومتابعة الأداء – كل ذلك من تلقاء نفسه.
كذلك Auto-GPTوBabyAGI، وهي نماذج متقدمة من الذكاء الاصطناعي، يمكنها تحليل المهام المعقدة، تقسيمها إلى خطوات، إجراء الأبحاث اللازمة، وتنفيذ القرارات دون تدخل بشري مستمر، مما يجعلها أقرب إلى تفكير الإنسان منها إلى الأداة المبرمجة.
لكن دعنا نسأل السؤال الذي أصبحنا نعتاد سماعه هذه الأيام، هل سيحل هذا النوع من الذكاء محل الإنسان؟
لا، لكنه سيُحدث فارقًا جوهريًا. من يتقن استخدام هذه النماذج سيصبح أكثر إنتاجية، وأقدر على التركيز في الأمور الاستراتيجية، في حين يتولى «الوكلاء الذكيون» إدارة التفاصيل والتنفيذ.
خلاصة القول.. الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد تقنية للمساعدة، بل تحوّل إلى شريك رقمي قادر على التفكير والتخطيط والتنفيذ. وقد أصبح السؤال الآن لا يتمحور حول: «ما الأداة التي يجب أن أستخدمها؟» بل: «من هو وكيلي الذكي؟»