د.شريف بن محمد الأتربي
يُعد التعليم أحد المجالات التي تهتم بالتقنيات كميسرات للطلاب والمعلمين في رحلتهم التعليمية، وذلك في ظل النمو المهول في حجم المعلومات وتغيرها السريع. كانت البداية مع شبكة الإنترنت، ومن ثم وسائل التعلم المساعدة من سبورات وغيرها، إضافة إلى برامج إدارة التعلم، ليبدأ الآن عصر جديد، عصر الذكاء الاصطناعي. لقد رافق هذه الرحلة الطويلة متغيرات عديدة في استراتيجيات التعليم التي تهدف إلى تحقيق أهداف التعلم حسب قدرات ومهارات الطالب نفسه، وألا يتعلم كل الطلبة بطريقة واحدة.
يعد التعلم التكيفي واحدا من أهم أساليب التعليم التي تهدف إلى تخصيص تجربة تعلم تناسب احتياجات وقدرات كل طالب على حدة، حيث يعتمد هذا النوع من التعلم على استخدام البيانات والتحليلات لتحديد مستوى الطالب، مما يُمكن المعلمين والأنظمة التعليمية من تقديم محتوى مناسب لكل منهم، وهو يمثل خطوة مهمة نحو تحسين التعليم من خلال تخصيص التجربة التعليمية، مما يساعد على تحقيق نتائج أفضل للطلاب من خلال الاستجابة لاحتياجاتهم الفردية.
مع توجه القائمين على التعليم في مختلف أنحاء العالم للمزج بين التقنيات والأساليب والاستراتيجيات لردم الفجوات التعليمية الناتجة عن خلل في العملية التعليمية، أو الخلل الناتج عن ظروف خارجية كما حدث أثناء كوفيد - 19.
لقد كان المزج بين التعلم التكيفي والذكاء الاصطناعي خطوة مهمة جدا لصالح الطالب والمعلم، بل لصالح العملية التعليمية كلها، حيث يُعد التعلم التكيفي المدعوم بالذكاء الاصطناعي (AI) من الحلول الحديثة التي تعمل على ردم الفجوة التعليمية التي تعاني منها العديد من المجتمعات، فمن خلال تخصيص التعليم وفقًا لاحتياجات كل طالب، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُحدث تحولًا كبيرًا في عملية التعلم والتعليم.
التعلم التكيفي المدعوم بالذكاء الاصطناعي هو نهج تعليمي يستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات الطلاب وتخصيص المحتوى التعليمي بناءً على احتياجاتهم الفردية، حيث تتضمن هذه التقنيات التعلم الآلي وتحليل البيانات، مما يسمح بتقديم تجارب تعليمية مخصصة تعزز من فعالية التعلم.
من خلال تحليل أداء الطلاب في الوقت الحقيقي يمكن للذكاء الاصطناعي تخصيص تجربة التعلم، مما يوفر معلومات دقيقة حول نقاط القوة والضعف لدى الطلاب، وبناءً على هذه البيانات، يمكن للأنظمة التكيفية تقديم محتوى تعليمي مخصص لكل منهم، مما يساعدهم على التعلم بالسرعة التي تناسبهم.
يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين نتائج التعلم من خلال توفير مواد تعليمية مناسبة لكل طالب، إذ يساعد الذكاء الاصطناعي الطلاب على تجاوز التحديات التي يواجهونها، مما يؤدي إلى تحقيق مستويات أعلى من الأداء الأكاديمي، كما يدعم الذكاء الاصطناعي التعلم الذاتي من خلال توفير موارد تعليمية تفاعلية، حيث يُمكن للطلاب الوصول إلى المحتوى وتحليل أدائهم بمفردهم، مما يعزز من قدرتهم على التعلم المستقل، ويعزز ثقتهم في أنفسهم.
تعد الفجوات التعليمية واحدة من أخطر معوقات العملية التعليمية، حيث إن إنهاء الطلاب لمرحلة التعليم الأساسي أو الثانوي وهم يعانون من وجود هذه الفجوات عامل سلبي في مرحلة الدراسة الجامعية، أو حتى في انخراطهم في سوق العمل، مما يكبد الدولة أو القطاع الخاص مبالغ طائلة في إعادة تأسيس هؤلاء الخريجين من جديد لتتناسب معارفهم ومهاراتهم مع متطلبات سوق العمل. يُعد الذكاء الاصطناعي أداة فعالة في ردم هذه الفجوة، حيث يعمل على تحديد الطلاب الذين يحتاجون إلى دعم إضافي وتقديم المساعدة المناسبة من خلال الأنظمة التكيفية، مما يسهم في تحقيق تكافؤ الفرص التعليمية.
أظهرت العديد من الدراسات المتعلقة بالتعلم التكيفي المدعوم بالذكاء الاصطناعي أنه يمكن استخدام عدة أنواع من هذه التقنيات، مثل التعلم الآلي (Machine Learning) والذي يُستخدم لتحليل بيانات الطلاب وتحديد أنماط أدائهم، مما يساعد على تخصيص المحتوى التعليمي بناءً على احتياجات كل منهم، أيضا الشبكات العصبية الاصطناعية (Neural Networks) تُستخدم لتوقع النتائج الأكاديمية من خلال تحليل البيانات الكبيرة، حيث يمكن لهذه الشبكات تعلم التفاعلات المعقدة بين المتغيرات المختلفة، وتحديد أوجه التقاطعات بينها وتحييد غير المؤثر منها.
تُستخدم أنظمة التوصية (Recommendation Systems): لتقديم اقتراحات مخصصة للموارد التعليمية والأنشطة للطلاب بناءً على اهتمامات وسلوكياتهم. من أهم مميزات الذكاء الاصطناعي قدرته على تحليل البيانات الضخمة (Big Data Analytics) حيث تُستخدم لتحليل كميات ضخمة من البيانات المتعلقة بأداء الطلاب، ورسم صورة واضحة لمستوى الطالب حاليا، والمستوى المفترض أن يكون عليه، والمستوى المفترض أن يصل إليه في نهاية الرحلة التعليمية، سواء لمقرر دراسي واحد أو كافة المقررات، أو حتى نهاية العملية التعليمية كاملة. هذه الصورة يمكن استخدامها لتحسين الاستراتيجيات والأساليب والأدوات التعليمية المستخدمة داخل القاعات الدراسية أو خارجها، من خلال التعلم المباشر، أو عبر الإنترنت، وتشمل أيضا البيئة الصفية والبيئة المدرسية، وكافة عناصر المنظومة التعليمية.
يمثل التعلم التكيفي المدعوم بالذكاء الاصطناعي خطوة مهمة نحو ردم الفجوة التعليمية، فمن خلال تقديم تجربة تعليمية مخصصة وداعمة للطلاب، يمكن لهذه التقنية النهج أن تُحدث تغييرًا إيجابيًا في مسيرتهم التعليمية.
إن الاستثمار في التكنولوجيا وتدريب المعلمين على استخدام هذه الأنظمة بشكل فعال يُعد ضرورة لتحقيق مستقبل تعليمي أفضل.