عبدالله صالح المحمود
في زيارة حملت أبعادًا تتجاوز البروتوكولات والمجاملات الدبلوماسية، حلّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضيفًا على المملكة العربية السعودية، وسط احتفاء رسمي وشعبي عكس عمق الشراكة التاريخية بين البلدين. لكن ما ميّز هذه الزيارة حقًا، لم يكن في الاستقبال ولا في حجم الاتفاقيات وحده، بل في التحولات السياسية والاقتصادية التي بدت واضحة في أجندة اللقاءات والمنتدى الاستثماري المصاحب لها، خاصة فيما يتعلق بإعادة صياغة العلاقة مع سوريا، ودور السعودية المحوري في هذا التحول.
المنتدى السعودي الأمريكي للاستثمار، الذي عُقد بالتزامن مع الزيارة، كان مناسبة استراتيجية للكشف عن صفقات تفوق قيمتها 300 مليار دولار، شملت قطاعات الدفاع، الطاقة، التكنولوجيا، والبنية التحتية. لكن أهم ما في المنتدى لم يكن الأرقام، بل الإعلان السياسي اللافت من الرئيس ترامب برفع كامل العقوبات الأمريكية عن سوريا، وهو القرار الذي جاء بدفع ومساندة من المملكة، التي تبنّت خلال السنوات الأخيرة سياسة نشطة لإعادة سوريا إلى محيطها العربي والدولي.
هذا الإعلان لم يكن معزولًا، بل هو نتيجة لجهود سعودية مكثفة بقيادة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي قاد مسارًا دبلوماسيًا جريئًا بهدف تحقيق السلام في سوريا، وإخراجها من دائرة العزلة والحرب. فقد احتضنت الرياض سلسلة اجتماعات دولية جمعت الفاعلين الرئيسيين في الملف السوري، وأثمرت عن توافقات مهدت لهذا القرار الأمريكي التاريخي
ليست المرة الأولى التي تلعب فيها السعودية دورًا في الوساطة الإقليمية، لكن الملف السوري حمل خصوصية؛ إذ لم تقتصر مساهمة المملكة على الدعم السياسي فحسب، بل تجاوزته إلى إجراءات عملية، من ضمنها تسديد الديون السورية للبنك الدولي، وتهيئة البيئة المالية والدبلوماسية لاستقبال الدعم الدولي. هذه الخطوات منحت السعودية موقعًا فاعلًا في رسم مستقبل سوريا، لا بوصفها طرفًا من الخارج، بل كشريك في إعادة بناء الدولة والمجتمع.
ما نشهده اليوم هو تحوّل نوعي في العلاقة بين الرياض وواشنطن. لم تعد العلاقة قائمة على معادلة «النفط مقابل الحماية»، بل على شراكة استراتيجية تُبنى على التكامل الاقتصادي، والتنسيق السياسي، والتأثير الجيوسياسي المشترك. الولايات المتحدة تجد في المملكة شريكًا إقليميًا يمتلك الرؤية والإمكانات والشرعية السياسية، فيما ترى الرياض في أمريكا حليفًا يمكن أن يدعم مشاريع التحول الكبرى التي تقودها المملكة في إطار «رؤية 2030».
من الصفقات العملاقة إلى إعادة صياغة العلاقة مع سوريا، ومن منتدى الاستثمار إلى الإعلانات السياسية، كانت زيارة ترامب بمثابة خريطة طريق لتحالف جديد يُعيد تشكيل الشرق الأوسط، تحالف يرتكز على الاستقرار، والتنمية، والشراكة طويلة الأمد.
إن المملكة، بقيادة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أثبتت أنها لم تعد مجرد لاعب في المشهد الإقليمي، بل مهندس للسلام والاستقرار، وصانع تحالفات قائمة على المصالح المشتركة، والعقلانية السياسية، والرؤية المستقبلية.
زيارة ترامب للرياض لم تكن مجرد حدث دبلوماسي، بل إعلان بداية لمرحلة جديدة، تتقاطع فيها الجغرافيا مع الاقتصاد، وتصبح فيها المملكة مركز ثقل سياسي واقتصادي يعيد تشكيل ملامح المنطقة. فالسعودية لا تبحث عن النفوذ من أجل النفوذ، بل عن السلام من أجل التنمية، والاستقرار من أجل البناء.