حسن الخلف
حين أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رفع العقوبات عن سوريا، انطلقت موجة من التصفيق الحار في القاعة، لم يكن عابرًا ولا مصطنعًا.
كان السعوديون أول من صفق، طويلاً وبحرارة، صفقوا من قلوبهم لا لحكومة أو شخص، بل لشعب سوري جريح، ولحظة انتصار للحق، طال انتظارها.
هذه اللحظة لم تكن ولادة مفاجئة، بل ثمرة طبيعية لمسار تقوده المملكة العربية السعودية منذ سنوات، وتحديدًا منذ أن تولى الملك سلمان قيادة البلاد يعاضده ولي العهد الأمير محمد بن سلمان برؤية استثنائية، جمعت بين الثبات السياسي والجرأة الإصلاحية، ووضعت السعودية مجددًا في موقع القيادة الإقليمية والدولية، ليس كدولة كبرى فقط، بل كقطب عالمي، وبيت عربي أول وأوسع، وأب يرشد أبناءه حين يضلّون الطريق.
منذ مقتل الرئيس الشهيد رفيق الحريري، دخلت العلاقة بين المملكة وسوريا في نفق من الفتور والتوتر، بسبب مواقف النظام السوري، وعلى رأسه بشار الأسد، الذي اختار الارتهان لمحاور الهدم بدل الانفتاح على أشقائه العرب. كانت السعودية آنذاك في ذروة الغضب، ليس فقط بسبب الجريمة، بل بسبب تعمّد النظام السوري تصعيد العداء وتوتير العلاقات مع الرياض. لكن المملكة، بقيادتها الحكيمة، عرفت كيف تضع مشاعرها جانبًا حين دعت الضرورة إلى الوقوف إلى جانب الشعب السوري المظلوم.
اليوم، وبجهد الأمير محمد بن سلمان، نشهد تحولاً لافتًا في السياسة السعودية تجاه الملف السوري. لم تكن الرياض تبحث عن مكاسب أو تعويضات، بل عن إغلاق صفحة المأساة، وفتح أبواب المستقبل لسوريا الدولة، ولسوريا الإنسان. وما منحته المملكة اليوم للحكومة الانتقالية السورية، برئاسة السيد أحمد الشرع، لم تمنحه لأي طرف في العالم: دعم سياسي، واعتراف معنوي، وانفتاح واسع... فقط لأن السعودية تؤمن بأن كرامة الإنسان السوري من كرامة الأمة كلها.
ولا يمكن هنا أن نغفل الدور المحوري الذي لعبه وزراء الخارجية، من السيد عادل الجبير إلى الأمير فيصل بن فرحان، في إعادة رسم الخطاب السعودي تجاه سوريا، ضمن الإطار الذي رسمه ولي العهد: خطاب واقعي، شجاع، بعيد عن النكايات، لا يساوم على المبادئ، ولا يستسلم للماضي.
الإعلام السعودي أيضًا كان جزءًا من هذا التحول، وقد نقل نبض الشارع، وعبَّر عن مشاعر السعوديين الذين لم يروا في سوريا سوى شقيقة في محنة، وجارة تستحق الحياة، لا الانكسار.
الكرة اليوم في ملعب الحكومة السورية.
والسؤال ليس عمّا يمكن أن تقدمه السعودية، فقد قدمت ما يكفي وأكرمت، بل عمّا إذا كانت الحكومة السورية ستلتقط الفرصة التاريخية وتفي بالتزاماتها، وفي مقدمتها:
تسريع العدالة الانتقالية.
ضبط السلاح المنفلت.
طي صفحة الخطابات الطائفية.
إعادة دمج الضباط المنشقين ممن لم تتلطخ أيديهم بالدم.
تكريس مبدأ الكفاءة بدل الولاء في التعيينات.
والمساهمة في مشروع صلح وطني شامل، لا شعارات جوفاء تغذّي الانقسام.
بوصفي مواطنًا سوريًا، لا أستطيع إلا أن أنحني احترامًا للمملكة العربية السعودية، قيادةً وشعبًا وإعلامًا، على هذا الموقف النبيل.
إن ما قدمته لنا السعودية ليس فقط دعمًا سياسيًا، بل اعترافًا بإنسانيتنا بعد سنوات من الإذلال. ونحن، السوريين، مدينون لها بالكثير.
اللحظة لحظة عقل وشجاعة. فهل نكون على قدر الفرصة؟
** **
- برلين