تهاني محمد القحطاني
تشهد العلاقات السعودية الأمريكية مرحلة متقدمة من التعاون الاستراتيجي، تعكس تطورًا نوعيًا في طبيعة الشراكة بين البلدين، وانتقالها من الإطار التقليدي القائم على المصالح الأمنية والسياسية، إلى آفاق أرحب تشمل الاقتصاد، التكنولوجيا، والاستثمار. ويأتي منتدى الاستثمار السعودي - الأمريكي 2025 ليجسّد هذا التحول، باعتباره منصة حديثة للدبلوماسية الاقتصادية، تجمع بين صانعي القرار وقادة الأعمال من الجانبين، في مشهد يعبر عن عمق العلاقة ومرونتها في مواكبة المتغيرات العالمية. لقد انطلقت العلاقة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية منذ اللقاء التاريخي بين الملك عبدالعزيز والرئيس فرانكلين روزفلت عام 1945م، وبُنيت على أسس من الثقة والمصالح المتبادلة. وعلى مدى العقود، تنوعت أبعاد هذه العلاقة لتشمل مجالات الطاقة، الأمن، التعليم، والثقافة. واليوم، بات التعاون الاستراتيجي بين الرياض وواشنطن أكثر رسوخًا، إذ لم يعد مقتصرًا على القضايا الأمنية، بل امتد ليشمل ملفات حيوية في مقدمتها الابتكار الرقمي، الطاقة المتجددة، والصناعات المتقدمة.
جاء منتدى الاستثمار السعودي الأمريكي ليكون شاهدًا على هذا التطور، حيث شهد الإعلان عن مشاريع مشتركة ضخمة في مجالات الذكاء الاصطناعي، الطاقة النووية السلمية، والخدمات اللوجستية، إلى جانب توقيع اتفاقيات تهدف إلى تعزيز الاستثمارات الأمريكية في المملكة وزيادة الاستثمارات السعودية في الأسواق الأمريكية. هذا التحول يعكس رؤية البلدين لبناء علاقة تقوم على المصالح الاقتصادية والتنمية المستدامة، وتخدم الاستقرار الإقليمي والدولي.
ومن أبرز ملامح المنتدى، التركيز على الابتكار كأداة للتعاون المستقبلي، إذ ناقش الطرفان مجالات الذكاء الاصطناعي، توطين التكنولوجيا، وتطوير المهارات البشرية، مما يدل على تحوّل في طبيعة الدبلوماسية نحو ما يُعرف بـ»الدبلوماسية التنموية»، التي تُعلي من شأن الاقتصاد والمعرفة بوصفهما أدوات تأثير على الساحة الدولية.
تُجسد هذه الديناميكية الجديدة في العلاقات الثنائية نموذجًا متقدمًا للدبلوماسية المعاصرة، حيث تلتقي السياسة بالاقتصاد، وتتكامل الرؤى من أجل تحقيق أهداف استراتيجية لكلا الطرفين. كما يعكس هذا المسار توافقًا مع تطلعات رؤية السعودية 2030، التي تسعى إلى تعزيز مكانة المملكة كمركز عالمي للاستثمار والابتكار، مع الحفاظ على شراكاتها التاريخية والمضي بها إلى مستويات أكثر شمولية وفعالية.
يؤكد منتدى الاستثمار السعودي - الأمريكي أن العلاقات بين الرياض وواشنطن لم تعد مرهونة بالملفات التقليدية، بل باتت ترتكز على رؤية استراتيجية تتكامل فيها المصالح الاقتصادية مع المبادئ الدبلوماسية، في إطار شراكة عصرية تستشرف المستقبل بثقة وتوازن.