أ.د.صالح معيض الغامدي
أشرت في أكثر من مناسبة مشافهة وكتابة إلى ملحوظة تتعلَّق بتلقي السيرة الذاتية السعودية مفادها أن النقاد في ظل تزايد أعداد السير الذاتية السعودية التي تنشر قد لا يتمكنون من مجاراة هذا الإبداع السيرذاتي مجارة نقدية، وذلك بالكتابة عنه والتعريف به ودراسته ونقده. وعلى الرغم من التحسن الواضح الذي طرأ مؤخراً في تلقي السيرة الذاتية السعودية، إلا أن هناك بعض السير الذاتية التي لم تأخذ حقها من التعريف والدراسة والنقد، لأسباب متعددة يمكن أن يكون المسؤول عنها المبدع نفسه أو دار النشر أو الناقد، وفي بعض الحالات يشترك الجميع في إهمال هذه السير الذاتية المغبونة كما أسميتها. وأعتقد أن هذا ينطبق تماماً على السيرة الذاتية التي كتبها الدكتور سعيد فالح الغامدي بعنوان «من كاتيا إلى سنة أولى حصار». فعلى الرغم من صدور هذه السيرة الذاتية الجميلة في عام 2025م، وإدراج الدكتور عبدالله الحيدي لها في ببليغرافيته، إلا أنها تبدو، على الأقل من منظوري الخاص، شبه مجهولة رغم المكانة الأدبية والفنية التي تتمتع بها، ورغم شهرة مؤلفها بوصفه من أهم الأكاديميين المختصين في مجال الانثربولوجيا والتربية والصحافة والثقافة في المملكة العربية السعودية والعالم العربي.
وقد قمت ببحث سريع في قوقل لعلي أجد دراسات وقراءة وافية لهذه السيرة إلا أن ما وجدت لا يعدو كونه مقالات صحفية تعريفية قليلة، أغلبها كتب وقت صدورها، أما في الدراسات النقدية والملتقيات التي خصصت للسيرة الذاتية والأطروحات الجامعية التي أنا على علم بها فلا أذكر أن ذكراً ورد فيها لهذه السيرة الذاتية، وهذا شي عجيب!
وأعتقد أن الأسباب الثلاثة التي أوردتها قبل قليل كانت مسؤولة عن هذا الإهمال، فالنقاد والقراء والدارسون، وأنا أولهم، كانوا سبباً في إهمالها فلم يكتبوا عنها ولم يضمنوها أبحاثهم أو ندواتهم التي خصوصها للسيرة الذاتية السعودية، ولذلك فهذا تقصير بيِّن نتحمّله جميعاً، وأرجو أن يكون حال هذه السيرة درساً نتعلَّم منه جميعاً ونسعى إلى توسيع منظوراتنا ونصوصنا التطبيقية نحن المختصين في مجال السيرة الذاتية لنتفادى حدوث مثل هذا الغبن - الذي لحق بهذا العمل الجميل- لأعمال سيرذاتية جميلة أخرى.
أما مسؤولية المؤلف في هذا الأمر فتتعلَّق بأمور عدة بعضها يمكن تفهمه وبعضها يصعب تفهمه. فمؤلف السيرة الذاتية ينبغي عليه التعريف بعمله السيرذاتي بأكثر من طريقه وجعله معروفاً لدى المتلقي، وعليه أن يجتهد في ذاك قدر الإمكان، رغم الحرج الذي قد يقع فيه أحياناً، والكتَّاب يتفاوتون في مواقفهم هذه. وبمعرفتي بالدكتور سعيد وبخاصة بعد قراءة سيرته فهو من الذين لا يحبذون هذا المنحى فيما يبدو. ومن الأمور الأخرى التي قد يكون المؤلف مسؤولاً عنها في عدم انتشار سيرته العنوان الذي يختاره لها، وهذا هو ما حدث ربما مع العنوان الذي اختاره الدكتور سعيد لسيرته «من كاتيا إلى سنة أولى حصار»، فهذا العنوان غامض لا يدل أول وهلة على أن هذا العمل هو سيرة ذاتية، فلا يعلم المتلقي من هي « كاتيا» التي يشير إليها الكاتب، هذا إذا أدرك أن هذه الكلمة هي اسم سيدة أصلاً، ولا ما هي» سنة أولى حصار»، ومن المستبعد أن يربطه كثير من القراء بسيرة الكاتب، كما أن غياب أي عنوان تجنيسي فرعي ربما رسخ هذا الغموض. فلو وضعت عبارة «سيرة ذاتية» أو ما يشبهها على الغلاف لربما اتضح محتوى هذا العمل للقراء، ووجدوا حافزاً على الاطلاع عليه وقراءته. على أن هذا القصور التجنيسي في هذا العمل ربما يشارك في حدوثه الناشر أيضاً. ولو أن المشكلة العويصة بالنسبة لكثير من الناشرين هي سوء التوزيع والتسويق للكتاب عموماً.
وسأكتب عن هذه السيرة بشيء من التفصيل لاحقاً إن شاء الله.