علي حسين (السعلي)
أصبح الورد في وقتنا الراهن رمزًا عالميًا، يعبِّر عن الكثير من المشاعر في عالم سريع ومتغير ومتلاحق من الصعب الإمساك بأدواته الإلكترونية، فالورد ليس مجرد رمز للجمال والحب فقط، بل له أيضًا تأثيرات عميقة على كل شيء في الحياة.
فقد أظهرت العديد من الدراسات العلمية أن وجود الورود والأزهار في البيئة المحيطة بالإنسان يساعد في تحسين الحالة المزاجية، ويقلل من مشاعر التوتر والقلق، فالورد له قدرة على تعزيز المشاعر الإيجابية ويزيد من السعادة.
يشعر الإنسان بالراحة النفسية والاطمئنان؛ مما يعزز من الاتصال العاطفي بين الأفراد، كما أن رؤية الورد في أماكن العمل أو في المنازل تساهم في تحسين الإنتاجية والتركيز، بفضل تأثيره على النفس.
من أبرز الشعراء الذين تناولوا الورد في أعمالهم الشاعر الإنجليزي وليم شكسبير الذي استخدمه كرمز للحب والجمال في العديد من مسرحياته منها هذا النص:
أوه، كم يبدو الجمال أكثر جمالاً
من خلال تلك الزينة الجميلة التي تقدمها الحقيقة.
الوردة تبدو جميلة، ولكننا نعتبرها أجمل
لأن تلك الرائحة الطيبة التي تعيش فيه.
تحتوي أزهار القرحة على صبغة عميقة
مثل صبغة الورد المعطرة، تعلق بمثل هذه الأشواك، والعب كما لو كنت تتصرف بتهور عندما تنكشف براعمهم المقنعة عن أنفاس الصيف؛ ولكن فضيلتهم هي مظهرهم فقط، إنهم يعيشون حياة غير مرغوب فيها وغير محترمة، تموت لأنفسها. الورود الجميلة لا تموت هكذا؛ من موتهم الحلو تصنع أحلى الروائح وهكذا بالنسبة لك، أيها الشاب الجميل والرائع، عندما يزول ذلك، فإنه يقطر حقيقتك بالشعر.
كتب الشاعر العربي الكبير إيليا أبو ماضي العديد من الأبيات الشعرية التي تناولت الورد كرمز للحب والذكرى منها في رائعة بائعة الورد:
أذالت الورد قانية وأصفره
كيما تصون الذي في خدّها نضرا
حمته عن كلّ طرف فاسق غزل
لو استطاعت حمته الوهم والفكرا
تضاحك لا زهرا ولا لعبا
وتجحد الفقر لا كبرا ولا أشرا
فإن خلت هاجت الذكرى لواعجها
فاستنفدت طرفها الدمع الذي اذّخرا
تعلّقته فتى كالغصن قامته
حلو اللّسان أغرّ الوجه مزدهرا
وهام فيها تريه الشمس غرّتها
والفجر مرتصفا في ثغرها دررا
إذا دنا رغبت لا يفارقها
وإن نأى أصبحت تشتاق لو ذكرا
تغالب الوجد فيه وهو مقترب
وتهجر الغمض فيه كلّما هجرا
كانت توقّى الهوى إذ لا يخامرها
فأصبحت تتوقّى في الهوى الحذرا
قد عرّضت نفسها للحبّ واهية
فنال الهوى الجبّار مقتدرا
والحبّ كاللّص لا يدريك موعده
لكنّه قلّما، كالسّارق، استترا
هنا انتقل إلى فلسفة تناول الورد بين وليم وإيليا محدداً الصورة الشعرية بينهما من منطلق « الورد»، فأقول مستعيناً بالله:
مقدمة
رغم تباعد السنوات بين الاثنين زمناً طويلاً وتغيرات الأمكنة وأزمنتها بينهما اختلاف وطريقة ومعطيات إلا أن القاسم بينهما واحد هو الورد، فكلاهما شاعر يكتب بإحساس ومشاعر ، فالاختيار يجعلني باحثاً في كينونة الولادة والنشأة والصبا والشباب وهكذا، وفعلاً قمت بالبحث إلا أنني عدلت عن ذلك لشعوري أن ذاك لا يفيد المقارنة والمقاربة بينهما التي اتكأت عليها، فانطلقت من الوردة التي تجمع الشاعرين في نقطتين هما:
- الصورة الشاعرية وصفاً وإحساساً
- وطريقة التناول للمعنى والمبنى
الورد بوصفه ورداً
الورد: ثمرة زاهية القرب منها عطر وحياة، والبعد عنها حديث نفس بلا معنى
الورد: أوراقه مفتحة كالشمس في فجر النور كالقمر في ليل الأصدقاء ولقاء الأحبة
الورد: صنو العذاب كيف ؟! لأنه ابتسامة العشّاق ذكريات المحبوب فاختاروا الورد في كلا الحالين:
- عذاب لذيذ بالانتظار
- واشتياق لدرجة الاحتضار
الورد: مع الفُلّ والكادي والريحان باقة من جمال وباحة غنّاء فريدة ، روح من الفرح كالزلزال وانفجار كالبركان سلاماً أيها العاشق الإنسان
الورد: بستان الهوى والحب والعشق وأيضاً تعبير عن الحزن في الفراق والفقد
شكسبير والورد المجسّد
الورد عند هذا الشاعر الداهية يعبّر عن الحب والجمال في سونيتات شكسبير هو عنوان لمجموعة مؤلفة من 154 سونيتة للشاعر والكاتب المسرحي وليم شكسبير التي تغطي مواضيع مثل مرور الوقت، والحب والجمال
بل يعبّر عن ذلك صراحة بقوله « حبي « فهو يرى الورد حبّاً وجمالاً لكنه في الوقت نفسه يراه دون رائحته بلا معنى وهذا ما عبر عنه بقوله:
«الوردة مهما كان اسمها ستبقى عطرة»
فالعطر في الوردة أصل عند وليم مهما شملها ويقول أيضاً:
أوه، كم يبدو الجمال أكثر جمالاً
من خلال تلك الزينة الجميلة
التي تقدمها الحقيقة
الوردة تبدو جميلة، ولكننا نعتبرها أجمل
فشكسبير يرى من خلال هذا النص أن الوردة تزداد جمالاً برائحتها العطرة لتبدو أكثر جمالاً ورونقاً ويقول في موضع آخر :
الورود الجميلة لا تموت هكذا؛
من موتهم الحلو تصنع أحلى الروائح
فعلاً فلسفة عجيبة من هذا الشاعر كيف يجسّد الورد وكأنها عاشقك تحاكيه وترغب فيه ويعشقها وتعشقه ويتمنى قربها، فلله درّه كيف جعل الوردة بإحساسه هكذا يذكرني بأبيات ابن زيدون حين يخاطب الوردة حيث يقول:
كَأَنَّ أَعيُنَهُ إِذ عايَنَت أَرَقي
بَكَت لِما بي فَجالَ الدَمعُ رَقراقا
وَردٌ تَأَلَّقَ في ضاحي مَنابِتِهِ
فَازدادَ مِنهُ الضُحى في العَينِ إِشراقا
سَرى يُنافِحُهُ نَيلوفَرٌ عَبِقٌ
وَسنانُ نَبَّهَ مِنهُ الصُبحُ أَحداقا
كُلٌّ يَهيجُ لَنا ذِكرى تَشَوُّقِنا
إِلَيكِ لَم يَعدُ عَنها الصَدرُ أَن ضاقا
إذاً الورد عند وليم شكسبير يعبّر عن الحب والجمال تجسيداً وصوراً معبرة شاعرية مرهفة، وهذه أصلاً طبيعة الورد بألوانه.
إيليا أبو ماضي في بائعة الورد، قصة فرجين «بائعة الورد» التي تحكي عن فتاة تركها حبيبها فقتلته وانتحرت، سبحان الله كيف يقتل الورد وهو رمز للحب والجمال ؟! هنا أبو ماضي جعل الورد قصة شعرية بأغلب تحقق شروط القصة جعل الفتاة الجميلة الوردة تحمل ورداً لتبيعه، إنه الانتقام من حبيبها الذي تركته فغادرته بطعنة في صدره وانتحرت، هنا المفارقة العجيبة من هذا الشاعر لحظة التنوير في نهاية القصة الشعرية يقول:
لكنها عاجلته غير وانية
بطعنة فجّرت في صدره نهرا
فخرّ في الأرض جسما لا حراك به
لكن «فرجين» ماتت قبلما احتضرا
جنت من الرعب والأحزان فانتحرت
ما حبّت الموت لكن خافت الوضرا
وجه المقارنة والمقاربة بين وليم وأبو ماضي:
- شكسبير يرى الورد جميلاً وبرائحته عطراً بينما إيليا يراه قصة تُحْكى من بائعة الورد.
- شكسبير يرى الورد رمزاً للحب والجمال وأن تغير شكله ولونه، بينما أبو ماضي يراه بعيني بائعة الورد فرجين.
- الذي يجمع بين شكسبير وإيليا الورد لكن التناول مختلف.. رومانسية شكسبير كل الحب والجمال ورمز الحب والقتل معاً يراه أبو ماضي في بائعة الورد.
الختام
وليم شكسبير أبصر الورد خيالاً بينما إيليا أبو ماضي صوره واقعاً بقصة شعرية، ومع اختلاف الأزمنة والأمكنة بينهما أرى أن تجسيد الورد عند شكسبير أبلغ في الحب والجمال منه عند إيليا أبو ماضي رمزاً للحب والقتل والانتحار، فالنتيجة بينهما مفارقة عن إيليا فهو استكتب قصة فرجين للواقع، وعند شكسبير معنى كلاسيكي لم تخدشه سكين الحياء.