سليم السوطاني
فاجأني أحد الزملاء بسؤال يختص باللُّغة، وهو: «كريمة فلان» التي تكتب في بطاقات دعوة مناسبات الزواج، ما المقصود بـ«كريمة» هنا، نعني بها الابنة أم الأخت؟
كأن هذا السؤال أيقظني من سبات عميق، إذ لم تسترعِ هذه الكلمة اهتمامي من قبل، وكانت تمرّ بي مرور الكرام، لكثرة ما اعتادت عيناي رؤيتها تتوشحها بطاقات الدعوة. بحثت عنها.. فوجدتها في معجم الوسيط: «كريمة الرجل: ابنتُه»، ولكن من ناحية معنى «كريمة» في اللُّغة، فهي وصف، وأراها من تأمل معناها أنها تناسب أن نطلقها على الابنة أو الأخت، فهن كريمات ويستحققن هذا الوصف دون استثناء.
الذي جعلني أقف متأملًا، بعد الصدمة التي أحدثها ذاك السؤال وحرك المياه الراكدة، وقفزت فكرة هذه المقالة بسببه وهو كتابة «كريمة» في الدعوة، وكل ذلك من أجل السبيل للهرب من كتابة اسم الأنثى والتصريح باسمها في ليلة زفافها..
ذكَّرني هذا الطمس المتعمد لاسم المرأة بحالة الإنسان إذا مات، فهو قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة كان يتسربل باسمه، وعندما توقفت أنفاسه اختفى الاسم وطمس، واستبدلوه مباشرة بمسميات كلها لا تمت إلى اسمه السابق بصلة: «الميت، الجثة، المتوفى». ورحل اسمه مع روحه المحلقة إلى عنان السماء.
فيا للصدمة من طمس الأسماء دون وجه حق!
ووجدتها مقارنة لطيفة بين غياب اسم المرأة في بطاقة الدعوة، واختفاء اسم الإنسان بعد مماته... وأرى أن ذلك مرده إلى عادة توارثتها الأجيال دون تغيير، فحتى لو كانت العقول متنورة بالعِلم، فإنها تظل مسكونة بأشباح العادات المتوارثة، والخوف من ردة فعل المجتمع من معرفة اسم المرأة! وكل ذلك لا يتعدى إلا كونه جهلًا مدقعًا، فما المانع أن نمنح المرأة اسمها ونشعرها بقيمتها، ونكتب في بطاقة الدعوة «زواج فلان بن فلان من فلانة بنت فلان»؟
إن الله عزَّ وجلَّ ذكر السيدة مريم في القرآن باسمها، وأن مجتمعاتنا، منذ عصر النبوة، تتداول أخباراً مثل: تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من السيدة خديجة، ونقرأ في كتب الحديث: قالت عائشة، وسألت حفصة، وجاءت صفية... وكلهن كريمات آبائهن، وزوجات أشرف البشر، لم يجد السابقون ولا اللاحقون غضاضة في ذكر أسمائهن في أشد المجتمعات محافظة وغيرة على المرأة، وكأننا أكثر غيرة منهم وأشد حرصاً منهم على حفظ المرأة وصونها، وكأن ذكر اسمها يكشف خدرها ويهتك سترها!
آن الأوان أن نتخلَّص من شبح بعض العادات المتوارثة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، والتمسك بها لا يمنح المجتمعات إلا مزيدًا من الجهل والتخلف.