محسن علي السهيمي
أن نسمع عن وقفٍ للأيتام أو الفقراء والمساكين أو المرضى أو الوالدين، وغيرهم من الفئات التي تواطأ المجتمع على أحقيتها في أوقاف تكفل لها حياة كريمة أو تُمطِر عليها أُجورًا عظيمة فهذا أمر ليس بالمستغرب ولا بالجديد. الأمر الجديد واللافت للنظر في مسألة الأوقاف هو إطلاق جامعة الملك عبدالعزيز بجدة -منذ حوالي خمس سنوات- وقفًا مؤسسيًّا خيريًّا لا يُعنى بالفئات المذكورة آنفًا؛ وإنما يُعنى بهُوية الأمة ولسانها المبين (اللغة العربية) تحت مسمى (وقف لغة القرآن الكريم).
حينما تتبنَّى مؤسسةٌ حكومية -ممثلةً هنا في جامعة الملك عبدالعزيز- مثلَ هذا الوقف النوعي الشريف في غايته السامي في هدفه فهذا يشي باستشعار الجامعة لأهمية اللغة العربية، وهي اللغة التي أخذت أهميتها من كونها اللغة التي نزل بها القرآن الكريم، ومن هنا اكتسبت قداستها لدى أبنائها والناطقين بها، وهو الأمر الذي جعل الجميع يستشعر أهميتها وأهمية الحفاظ عليها، ودعم كل توجه أو مشروع يتغيَّا خدمتها والارتقاء بها بأي وسيلة وبأي طريقة، ومن هنا كان هذا الوقف -غير المسبوق- الذي تَبنَّتْهُ الجامعة مشكورة وحظي -ولا يزال- بدعم مطلق من رئيسها ومنسوبيها.
فكرة الوقف فكرة رائدة وربما تكون غير مسبوقة، ولذا كان من أهدافه البعيدة السعي (لإحداث أثر تنموي مستدام) وهذا أمر في غاية الأهمية، والسعي كذلك إلى (تحقيق استدامة مالية) تكفل له الإمدادَ الكافي لقطاعاتِ اللغة العربية بجامعة الملك عبدالعزيز، بل ويمتد الإمدادُ والأثرُ إلى خارجها، وهذه الاستدامة المالية هي عصب الحياة لكل مشروع وعمل، ومن هنا تميزت جامعة الملك عبدالعزيز بتبنيها هذا الوقف المبارك، وتميز الوقف بفرادته ونوعيته.
لن أذهب إلى ما أنجزه الوقف -بمساندة مستمرة من جامعة الملك عبدالعزيز- منذ تأسيسه حتى اليوم، ولا إلى مسارات عمله المتعددة والمتنوعة، ولا إلى شراكاته النوعية، ولا إلى مبادراته الفاعلة، ولا إلى برامجه وندواته الثرية، ولا إلى إصداراته القيِّمة فهذه وغيرها منجزات حاصلة ومشاهَدة ويمكن الرجوع إليها عبر الوسائط المختلفة؛ لكنني سأذهب –شاكرًا ومقدِّرًا ومثمِّنًا- لجامعة الملك عبدالعزيز تَبنِّيها هذا الوقف الشريف ورعايته حتى استوى على سُوقه يُعجب أبناءَ اللغة العربية والناطقين بها ويسرهم، ويعزِّز فيهم الأمانَ بوجود أيدٍ ترعى هذه اللغة الشريفة وتهتم لها وتعتني بها، وهذا التبني لا أظنه إلا جاء نتيجة استشعار الجامعة لرسالتها ودورها المنوط بها في تعزيز الهوية الوطنية في ما يتعلق بجانب اللغة التي تُعد من أشرف اللغات قاطبة، وجاء نتيجة ما تتبوَّأه الجامعة من مكانة علمية رفيعة محليًّا وعالميًّا ما يعني عِظَم رسالتها وتعاظُم مسؤولياتها تجاه المجتمع وهُويته وقِيَمه.
تبنِّي جامعة الملك عبدالعزيز وقف لغة القرآن أمر يستحق الشكر والذكر والثناء، وهو ما يعني الاهتمام المباشر بالقرآن الكريم، واللافت للنظر أن الجامعة هنا اعتنت بالقرآن الكريم عن طريق الاعتناء بلغته العربية من خلال هذا الوقف الفريد، هذا يجعلنا نشيد بفرادة الفكرة ووجاهتها حينما سعت إلى توفير مصادر الدعم للقطاعات المعنية باللغة العربية داخل الجامعة وخارجها، وهو ما يعني ضمان تنفيذ البرامج والفعاليات التي تُعنى باللغة العربية وعدم تعثرها، ونُشيد بحرص الجامعة -رئيسًا ومنسوبِين- على استمرارية الوقف ورعاية برامجه، ونُشيد بحرصها على تنوع موارده طوال هذه الفترة، ولا أظن الجامعة إلا ستستمر في نهجها المبارك هذا -رعاية ودعمًا وتأييدًا- وهو ما يحقق مستهدفات رؤية (2030) الرامية إلى تعزيز اللغة العربية والارتقاء بها، ويتساوق مع الدعوات الصادقة الرامية إلى الاهتمام باللغة العربية وتعزيز كل ما يرقى بها ويُعلي مكانتَها.. والدعاءُ والشكر لأعضاء مجلس نظارة الوقف بمزيد من العطاء والتسديد والتوفيق.
بوح:
شَهْدًا إلى الرُّوحِ تَسْرِي وهْيَ مُورِقَةٌ
لأَنَّهَا مِن سَمَاءِ الطُّهْرِ مَأْتَاها
تَنَزَّلَ الذِّكْرُ.. فاسْتَغْنَى بِها لُغَةً
حَوَتْهُ مِن سَعَةِ الفُصْحَى فأَغْنَاها
قَبَّلْتُها في جَبِينِ الفَخْرِ فامْتَزجَتْ
دُمُوعُ وَجْدِي بشَهْدٍ مِن لُمَيَّاها
يا مَنْطِقَ السِّحْرِ.. يا أيْقونةً خَلَدَتْ
في الرُّوحِ.. واسْتأْثرَتْ مِنْها بمَغْنَاها
يَزهُو بِكِ الشِّعْرُ -إيْقاعًا وقَافِيةً-
والنَّثْرُ يَشْتَفُّ مِن عَيْنَيكِ نَجْوَاها