د. أحمد محمد القزعل
شهدت العلاقات الدولية في السنوات الأخيرة تحولات كبيرة، من بينها القرار التاريخي الذي اتخذته الولايات المتحدة الأمريكية من الرياض برفع العقوبات عن الجمهورية العربية السورية، وهذا القرار لم يأتِ من فراغ، بل كان ثمرة جهود دبلوماسية عظيمة ومبادرات إنسانية شجاعة، كان في مقدمتها الدور الريادي الذي قاده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي عهد المملكة العربية السعودية، والذي سعى بكل ما أوتي من حكمة وتأثير إلى إيصال صوت الشعب السوري إلى صناع القرار في العالم وخاصة إلى البيت الأبيض.
لقد شكّل رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا نقطة تحوّل مهمة في تاريخ المنطقة، إذ جاء في وقت أحوج ما تكون فيه سوريا إلى فرصة للنهوض من جديد، بعد سنوات طويلة من الحرب والدمار والركود الاقتصادي، وما كان لهذا التحوّل أن يحدث لولا إدراك القيادة السعودية وعلى رأسها الأمير محمد بن سلمان لحجم المعاناة التي يعيشها الشعب السوري، ولضرورة فتح نوافذ الأمل أمامه من خلال خطوات عملية تتجاوز الشعارات إلى الأفعال.
ولم تكن الجهود التي بذلها الأمير محمد بن سلمان مجرّد مساع دبلوماسية تقليدية، بل كانت حملة شاملة من التواصل والنقاشات والضغط السياسي الحكيم، الذي جمع بين الواقعية السياسية والرؤية الإنسانية، وإيصال معاناة الناس العاديين الذين حُرموا من أبسط مقومات الحياة بسبب الحصار الاقتصادي الخانق.
ومن خلال لقاءات سمو الأمير محمد بن سلمان مع المسؤولين الأمريكيين ومشاركاته في المحافل الدولية ومحادثاته المباشرة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، استطاع الأمير محمد أن يطرح رؤية واضحة لإعادة سوريا إلى الساحة الدولية، كدولة مستقرة وآمنة تسعى للبناء والازدهار، وبفضل هذه الجهود أعلن الرئيس ترامب رفع العقوبات، مؤكداً أن الوقت قد حان لفتح صفحة جديدة في تاريخ العلاقات الأمريكية - السورية.
إن رفع العقوبات لم يكن مجرّد إجراء سياسي، بل يمثل نقطة بداية لإعادة إحياء الاقتصاد السوري الذي عانى من الانهيار، وبداية متطورة لتبدأ عجلة الاقتصاد السوري بالدوران من جديد مما يشمل ذلك تحسّناً في قيمة الليرة السورية، وعودة بعض الشركات الأجنبية وفتح مجالات جديدة للتبادل التجاري مع الخارج، كما أن فك الحصار سيمكن من استيراد المعدات والمواد اللازمة لإعادة إعمار البنية التحتية التي دمرتها الحرب كالطرق والمستشفيات والمدارس والمصانع التي باتت اليوم بحاجة ماسة إلى الترميم والتطوير، وهذا لن يتحقق دون انفتاح اقتصادي حقيقي.
ولعل عودة سوريا إلى المجتمع الدولي ستسهم في إنعاش الحياة الثقافية والفنية والتعليمية، التي لطالما تميّزت بها الحضارة السورية عبر العصور، فدمشق هي أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ، تستحق أن تُعيد تألقها كمركز إشعاع حضاري في المنطقة، ولا بد من أن يتحوّل هذا القرار إلى نقطة انطلاق لمرحلة جديدة من العمل الوطني، وعلى السوريين أن يوحّدوا جهودهم لإعادة بناء بلدهم مع التركيز على القطاعات الأكثر أهمية وفي مقدمتها القطاعان التعليمي والاقتصادي.
حيث إن القطاع التعليمي هو العمود الفقري لأي نهضة ومن الضروري الآن إعادة تأهيل المدارس والجامعات، وتوفير البيئة المناسبة للطلبة والمعلمين على حد سواء، وأما القطاع الاقتصادي فهو بحاجة إلى قوانين جديدة تشجع الاستثمار، وتدعم ريادة الأعمال وتعيد الثقة إلى السوق، والاستفادة من هذه الفرصة تتطلب تعاوناً بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، إضافة إلى دعم من الدول الشقيقة والصديقة وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية.
وباسم الشعب السوري بكل أطيافه ومكوناته، نرفع أسمى آيات الشكر والعرفان إلى سمو الأمير محمد بن سلمان على مواقفه النبيلة وجهوده الجبارة التي أثمرت عن هذا القرار المصيري، ولقد أثبت سموه أنه قائد عربي استثنائي، يحمل هموم الأمة ويعمل من أجل وحدة الصف وكرامة الإنسان، كما نتوجه بالشكر إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، واتخذ قراراً شجاعاً في لحظة حرجة، مقدّماً نموذجاً للقيادة التي تنظر إلى المستقبل بروح الانفتاح والحكمة.
إن رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا ليس نهاية الطريق بل بدايته، وهو فرصة تاريخية يجب اغتنامها بعقلانية ووعي، من أجل بناء وطن يحتضن أبناءه، ويعيد إليهم الأمل بحياة كريمة، ولقد آن الأوان لسوريا أن تنهض من رماد الحرب، وأن تعود كما كانت دائماً ، بلداً للجمال والثقافة والحضارة.
نحن نؤمن بأن السوريين قادرون على صنع المعجزات إذا توفرت لهم الفرصة، وإذا تضافرت الجهود الرسمية والشعبية، ومع دعم الأصدقاء وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، فإن المستقبل يَعِدُ بالكثير، وسوريا الجديدة تُبنى الآن بسواعد أبنائها وبجهود استثنائية وبمواقف تاريخية ستبقى محفورة في ذاكرة الأجيال.