د. علي القحيص
كنا منذ عقود، نستمتع بصراحة إذا سمعنا أو قرأنا عن خلاف بين عمالقة الصحافة السعودية (الراحل الأستاذ تركي السديري رحمه الله، وبين الأخ العزيز الأستاذ خالد المالك، أطال الله في عمره)، وكنا معشر الصحفيين نتلذذ بما يكتبونه وينشرونه عن خلافاتهم والتنافس بينهما، لكنهما كانا كبارا، وقلوبهما بيضاء في وقت المحن والشدايد، حين يتعرض الوطن أو المجتمع السعودي إلى هجوم أو حملة شعواء، فتجدهما يبادران معا كشخص واحد، وكل منهما (يستل) قلمه السيال يفندان المزاعم والادعاءات المغلوطة ويصححان المسار، وأحيانا يشك المرء في أن الذي كتب المقال واحد ليس اثنين.
في الفترة الأخيرة ظهرت على وسائل الإعلام السعودية، بوادر خلاف بين الأستاذ الدكتور عبدالله الغذامي والأستاذ الدكتور سعد البازعي، وهما قامتان ثقافيتان كبيرتان، يفخر بهما الوطن والمجتمع السعودي بل الساحة العربية الثقافية لاثرائها بغزارة إنتاجهما المعرفي. لكن وجدنا أن الخلاف ينمو ويكبر ويتشعب، حيث حاولت بعض وسائل الإعلام السعودية استضافتهما لمعرفة الخلاف والاستثمار في هذا التنافر والخلاف! وخلافهما يختلف عن خلاف السديري والمالك، فحين يزعل صحفي على السديري يذهب من صحيفة الرياض إلى صحيفة الجزيرة، وحين يختلف صحفي مع المالك يذهب إلى صحيفة الرياض وهكذا دواليك، ونحن كصحفيين وإعلاميين كنا (مبسوطين) لأنه كما يقال كنا (على شارعين)!
أما اليوم فيبدو أن خلاف الغذامي والبازعي هو خلاف خارج نطاق مصالحنا، يتنافسان على (زعامة الثقافة) السعودية بينهما، ولا نستفيد من خلافهما شيئا! كل منهما يتعمد استهداف الآخر، وهناك من سبقهم في التجارب الثقافية السعودية، وكثير من يختلف معهما في الطرح والرؤية والأفكار، ولكن كونهما متقاربين في العمر والمكان والجغرافيا، يبدو أن هذا الخلاف شاع وكبر وتوسع بينهما، وكما قال الراحل فهد العلي العريفي رحمه الله، حين قدم استقالته من مؤسسة اليمامة الصحفية، وقلت له أبا عبدالعزيز، لماذا استقلت؟ قال.. يا علي.. (حصانين على معلف واحد ما يتوالمان)، إما أنا أستقيل أو رئيس التحرير، إذا بقينا مع بعض سوف تنهار المؤسسة! المهم هناك من طلب المناظرة بين الغذامي والبازعي لمعرفة طبيعة الخلاف بينهما ومحاولة اصلاح ذات البين بينهما!
فمنهم من فرح بهذا الخلاف حاسداً ومتشفياً، ومنهم من فرح أيضا ممن يريد معرفة وأسباب الخلاف، وأنا منهم!
والذي طرح المناظرة كتب يقول:
الغذامي مستعد بدون قيد أو شرط!
ولكننا لم نسمع رأي ورد الدكتور سعد البازعي للآن، الزميل قال يريد إجراء مناظرة بينهما لحلحلة الخلاف واجتثاث النزاع وإنهائه، وإخماد فتنة نيران معالم نزعة (الأنا) والتخلص منها، التي تحولت إلى شخصنة الحالة، فمنهم من يتهم الآخر بالتوتر والعصبية، ومنهم من يتهم خصمه بالتعالي وعدم الاعتراف بمكانته وسيرته الثقافية!
وأنا العبد لله.. أعرفهما حق المعرفة وأعتز بمعرفتهما ومعجب لما وصلوا إليه من رقي معرفي وفكري ومهني كقامات ثقافية نفخر بها، إلا أني أختلف معهما في تأجيج هذا الصراع الفكري، والخلاف الثقافي الذي تحول إلى شخصي!
ولو اجتمعا في بوتقة واحدة ومسار واحد لتمكنا من تعزيز وتقوية روافد الثقافة السعودية وانتشارها، ونحن بحاجتهما معا، لتغذية وتكريس عوالم ومناهج موارد الثقافة بأفكارهما النيرة المستنيرة التي سبقونا نحوها بعقود، فهو المكسب الأكبر للوطن والمجتمع ومحبيهما الذين يريدون أن يتفقا لا أن يختلفا في هذه الظروف الصعبة، التي تعاني منها الأمة من الشقاق والنفاق والتفرقة، في كل شيء، إلا أن أكثر الناس لا يعلمون!