تغريد إبراهيم الطاسان
لم تكن تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد جي ترمب عن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مجرد كلمات دبلوماسية، ولا إشادات بروتوكولية تُقال في العلن وتُنسى في الغرف المغلقة، بل جاءت أقرب إلى شهادة صريحة، يتحدث فيها رئيس دولة عظمى عن قائد شاب، يصفه بـ«الاستثنائي»، وبأنه «الرجل الذي يتحكم فعليًا في السعودية»، ويمتلك «رؤية عظيمة لمستقبل بلاده».
فما الذي يجعل ترمب - المعروف بصراحته وطباعه الحادة - يُبدي هذا الإعجاب الصريح؟ وما دلالة هذه العبارات على مستوى العلاقة بين الطرفين؟ وكيف يمكن قراءة ذلك في السياق السياسي الدولي؟
الإجابة تبدأ من شخصية الأمير محمد بن سلمان نفسها. فهو قائد جريء لا ينتظر الإجماع، بل يصنع القرار.
يمتلك طاقة تنفيذية عالية، ويُجيد مخاطبة العقول الغربية بلغة الأرقام، والخطط، والحزم، بعيدًا عن التردد أو التجميل. وحين أطلق رؤية 2030، لم يكن يطرح أمنيات، بل مشروعًا واضح المعالم، اختبرته المؤسسات العالمية، وأدرك المستثمرون الغربيون جديته وفاعليته.
ترمب، كرجل أعمال قبل أن يكون سياسيًا، يعرف جيدًا كيف يقرأ القادة من خلال أفعالهم، لا صورهم. ومنذ لقائه الأول بالأمير محمد، لمس فيه شخصية قادرة على الجمع بين الانفتاح والصرامة، بين الطموح والحذر، وبين التحديث والحفاظ على الثوابت.
ولذلك وصفه في أكثر من مناسبة بأنه «صديق مقرَّب»، وأنه «أحدث تغييرات كبيرة لم تحدث من قبل في المملكة»، بل وسأله وهو يلقي كلمته: محمد هل تنام..؟!
لكن الإعجاب لا يقف عند السمات الشخصية. فالأمير محمد بن سلمان تعامل مع السياسة الخارجية ببراغماتية عالية، وفتح ملفات كبرى مثل مكافحة الإرهاب، والاستثمار العابر للحدود، والتحولات في سوق الطاقة، مما جعله محاورًا لا يمكن تجاوزه في ملفات المنطقة. كما أن أسلوبه في فرض الحضور السعودي في المنتديات العالمية، وبناء شراكات إستراتيجية متعددة، أعاد رسم صورة السعودية في الوعي الأمريكي والغربي بشكل عام.
وهنا تتجلَّى دلالة كلمات ترمب، حين وصفه بأنه «من أقوى القادة الذين تعاملت معهم»، وأنه «يحب بلاده بصدق، ويريد لها الخير»، بل وذهب إلى حد القول: «لو كان لدينا مثله في أمريكا، لتغير الكثير.» هذه الكلمات ليست مجاملة، بل ترجمة لواقع قيادي فرض احترامه على الساحة الدولية، وخصوصًا على من ينظرون للعالم بمنطق المصالح والنفوذ.
يُدرك ترمب أيضًا أن الأمير محمد بن سلمان لا يمثِّل فقط رأس الهرم السياسي في بلاده، بل هو قائد لمرحلة انتقالية كاملة.
السعودية ما بعد 2015 ليست كما كانت قبلها. المجتمع السعودي تغيَّر، الاقتصاد ينفتح، المرأة تدخل ميادين جديدة، والأفكار تتجدد دون انفصال عن الهوية. وهذا كله لم يكن ممكنًا دون قيادة تُدرك أن الوقت لا ينتظر، وأن المستقبل يُصنع الآن.
وربما كان الأهم من كل ذلك، أن محمد بن سلمان لا يحاول أن يُشبه أحدًا، ولا يُقلِّد نموذجًا غربيًا، بل يبني نموذجه الخاص، بأدوات محلية، ورؤية عالمية. وهو ما يلفت نظر ترمب، ويستفز إعجابه. ففي قاموس ترمب، القوة ليست في التقليد، بل في القيادة من مركز الذات.
إن تصريحات ترمب عن ولي العهد تكشف أيضًا حجم التحوّل الذي طرأ على صورة السعودية في الذهنية السياسية الغربية. لم تعد المملكة تُمثِّل في الأذهان بلد النفط فقط، بل باتت تُرى بوصفها قوة اقتصادية صاعدة، ومركزًا للإصلاح في الشرق الأوسط، وفاعلاً أساسيًا في التوازنات الكبرى.
وفي الختام، فإن إعجاب ترمب بمحمد بن سلمان لا يُمكن عزله عن السياق العام لعصرٍ جديد تقوده المملكة، بل هو انعكاس لفكرة أعمق: أن السعودية - من خلال هذا القائد - قررت أن تصنع -بتوفيق من الله- قدرها، وتعيد تعريف نفسها أمام العالم، لا بما يُقال عنها، بل بما تفعله على أرض الواقع.