مرفت بخاري
لسنواتٍ طويلة، كانت العقوبات المفروضة على سوريا سكينًا لا تجرح الجلد فحسب، بل تنخر العظم.
لم تكن مجرد قرارات سياسية معلَّبة تصدر من قاعات مغلقة، بل كانت حياة يومية تنهار:
دواء مفقود، مستشفى بلا كهرباء، أمّاً تتفقد أنفاس طفلها، حليباً مقطوعاً، وقلباً يعتصره الوجع.
شباباً يرون في البحر خلاصًا، لا في الأرض.
حتى الكلام صار مؤلمًا...
حتى الحنين أصبح سكينًا يمزِّق أفئدة لا ترى في الماضي مأمنًا، ولا تظن في اليوم خيرًا.
كانت الشام تختنق...
لا من دخان الحرب وحده، بل من أنينٍ مكتومٍ خلف أسلاك العقوبات، من حنينٍ عالق في الطرقات، ومن وطنٍ يرى أبناءه يُساقون إلى التيهِ وهم لا يملكون إلا الدعاء.
اليوم، سقط بعضٌ من ثقل الحديد.
اليوم، تفتح سوريا عينها على احتمال الحياة... من جديد.
فحين قرَّرت السياسة أن تصغي للإنسانية، تم رفع العقوبات.
المصالح تتحرك كما الغيوم، لكن ما يهمّ الشعب السوري اليوم ليس الخلفيات، بل النتائج.
رفع العقوبات لا يعني أن الجراح التأمت، لكنه يعني أن النزف قد يتوقّف.
أن من اعتاد طوابير الغاز والخبز، قد يجد في الغد وجهًا أرحم.
أن من انتظر هاتفًا من مهاجرٍ قد يعود، ربّما بدأ الآن بترتيب الغرفة له، وكله أمل بإللقاء.
السياسة لا تصنع العدل، لكنها أحيانًا تفتح له الباب، تتيح له أن يحاول الدخول أن يعيش الإنسان بطمأنينة وسلام.
الشارع السوري لم يُقابل الخبر بالتصفيق فحسب، بل بدموعٍ تتساقط بين شقوق القلب، فالشعب السوري أرهقته الخيبات، وأتعبه الانتظار، ولم يكن يظن أن النجاة آتية لا محالة.
لكنه شعبٌ علَّمه الوجع أن يُراهن على الحياة، حتى لو انهارت الأحلام، وتبدَّدت آماله، وبات النهار لا يعني له إلا أن ينام في سلام، دون أصوات المتفجرات التي تقضي على ما تبقى من سكينة.
وهو يعي ويدرك جيدًا أن رفع العقوبات ليس نهاية مراحل الوجع، بل بداية للبناء والإعمار.
فهل ستُعاد الكهرباء إلى المدن؟
وهل يعود الدواء إلى المستشفيات؟
وهل آن للمهجَّرين أن يجدوا طريقًا للعودة، فلا مزيد من المنافي؟
قلوبهم لم تعُد تحتمل، ومشاعرهم تستغيث.
سوريا لا تحتاج فقط إلى قرار دولي، بل إلى قرار داخلي يعيد بناء الإنسان... قبل البنيان.
وسيَشهد التاريخ وسيخلِّد اسم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، على أزقة الحواري وساحات المدن السورية، سيُنقش اسمه في نبضات الأهالي، والأرامل، والكهول.
ولن ننسى نحن أبناء وبنات هذا الوطن مشاعر سموِّه أثناء إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رفع العقوبات عن سوريا وأهلها الكرام، عن مشاعر أميرنا أتحدث عن فرحته التي لا تقدَّر بثمن عن مشاعره التي تقول لن أقف عند هذا الحد، بل سأشارككم وأدعمكم لإعماره من جديد، وسرعان ما يأتي إعلان وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، أن المملكة العربية السعودية، وبتوجيه من ولي العهد، ستكون سبَّاقة في دعم النهضة الاقتصادية في سوريا.
فلم تكن هذه الخطوة مجرد قرار سياسي، بل كانت بلسمًا يُسكب فوق خرائط الألم، وإعلانًا لعودة القلب العربي إلى نبضه الحقيقي.
فالسعودية، حين تتكلَّم بهذا الوضوح، تعيد للعالم معنى الشراكة... في الجرح، وفي الشفاء.
ختامًا، رفع العقوبات لحظة فارقة، لكنها لن تصير خلاصًا...
إلا إن أمسك السوريون زمامها، وبنوا على أطلال الدمار وطنًا يشبههم.. لا يشبه أنظمةً ولا مشاريعَ خارجية.
وحدها الشام تعرف كيف تقوم من رمادها. وحدها قادرة على أن تقول للعالم: (أنا هنا... لم أمت، كنت فقط أتنفّس تحت الماء).