منيرة أحمد الغامدي
وُصفت أول زيارة خارجية له بعد إعادة انتخابه لولاية ثانية للمملكة في الإعلام الأمريكي بأنها لم تكن مجرد تحية دبلوماسية للحليف التقليدي، بل إعلان شراكة متجددة مع قوة صاعدة باتت تلعب دورًا عالميًا فاعلاً، ليس فقط في الإقليم، بل في النظام الدولي برمّته.
العلاقات السعودية الأمريكية لا تنطلق من فراغ، بل تستند إلى إرث إستراتيجي عميق يعود إلى العام 1945، حين التقى الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه- بالرئيس الأمريكي فرانكلن روزفلت على متن الطراد «كوينسي» في قناة السويس، ذلك اللقاء التاريخي أسس لتحالف فريد صمد لعقود أمام متغيِّرات العالم، وتحول اليوم في عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى نموذج تحالفي جديد مبني على الندية وتكامل المصالح والسيادة المتبادلة. اللقاء والشراكة التاريخية التي بدأها الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- في البحر، استمرت وامتدت إلى الأمير الهمام محمد بن سلمان الذي يبني عليها اليوم بتوجيه من الملك سلمان تحالفًا بحريًا وبريًا وتقنيًا واقتصاديًا بثقة ووضوح.
خلال هذه الزيارة، شارك الرئيس ترمب في منتدى الاستثمار السعودي-الأمريكي، الذي عُقد في الرياض بمشاركة كبرى الشركات الأمريكية في مجالات التقنية والطاقة والتمويل، مثل Nvidia وBlackRock وAmazon وMicrosoft، وكشفت السعودية خلال المنتدى عن توجهها الاستثماري الطموح، حيث أعلن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عن التزام المملكة بضخ 600 مليار دولار على الأقل للاستثمار في أمريكا على مدى أربع سنوات قادمة، وهي خطوة وصفتها الصحافة الأجنبية بأنها «تحول جذري في هندسة الشراكة الاقتصادية»، مشيرة إلى أن هذه الاستثمارات هي أدوات تفاوض إستراتيجية مشروطة بنقل التقنية والتصنيع المشترك وتوطين المعرفة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة، وأشارت الصحافة الأجنبية إلى أن زيارة الرئيس ترمب إلى السعودية أظهرت بوضوح حجم التحوّل الذي أحدثه محمد بن سلمان في مكانة المملكة العالمية. وذكرت «المملكة تمضي برؤية تكنولوجية واقتصادية تؤهلها لتكون لاعبًا مركزيًا في مستقبل الطاقة العالمية».
الزيارة لم تقتصر على الاقتصاد والاستثمار، بل حملت أبعادًا سياسية عميقة، عبَّرت عنها الملفات التي ناقشها الجانبان، وعلى رأسها التعاون النووي السلمي. إذ تسعى المملكة إلى الحصول على اتفاق يسمح بتخصيب اليورانيوم، في إطار تطوير طاقتها السلمية. واعتبرت الصحافة الأجنبية أن «السعودية تمضي في اتجاه بناء استقلال إستراتيجي على مستوى الطاقة، مدفوعًا برؤية تكنولوجية جريئة تعكس روح قيادة ولي العهد».
لم تغب السياسة الإقليمية عن الطاولة، فقد كانت تطورات غزة أحد المحاور الأساسية، وأعادت السعودية التأكيد على موقفها الثابت بأنه لا يمكن الحديث عن سلام في المنطقة دون وقف فوري للعدوان على الشعب الفلسطيني، وطرح خارطة طريق جادة نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة. كما ناقشت المملكة التحديات التي تمثِّلها إيران، متمسكة بسياسة الحزم دون التصعيد من خلال تنسيق أمني يحفظ مصالح المملكة ويعزِّز أمن الإقليم.
أما اللافت في قراءة الصحافة الأجنبية للزيارة، فكان التركيز الكبير على شخصية ولي العهد -حفظه الله- ومما ذكرته الصحف الأمريكية على وجه الخصوص فقد وصفت الأمير محمد بن سلمان بأنه «قائد الجيل الجديد من العلاقات الدولية»، وقالت «المملكة العربية السعودية دولة باتت تتصرف كشريك سيادي يمتلك رؤية واضحة ونفوذًا عالميًا، ومحمد بن سلمان لا يعيد تشكيل المملكة داخليًا فحسب، بل يُعيد تعريف الطريقة التي تمارس بها القوى وتأثيرها من خلال الاستثمار الإستراتيجي والقيادة التقنية.» واستطردت فإن زيارة الرئيس ترمب كشفت أن الرياض أصبحت محورًا مستقلاً في معادلات الاقتصاد والتقنية والدبلوماسية، فالسياسة الخارجية السعودية اليوم تُدار بعقلية القوة الذكية، إذ تجمع بين الانفتاح والعزم، وتوازن بين المصالح الإقليمية والتموضع الدولي. سياسية استثنائية رشيدة سياسية استثنائية أعادت التأكيد على أن الرياض ليست مجرد حليف لواشنطن، بل شريك يُعيد معايير التحالف ذاته. المملكة اليوم تقود من قلب الشرق ومن العاصمة الرياض، وتخط سطورًا جديدة في علاقة تتجه نحو المستقبل بمشروع وطني طموح ورؤية دولية ثاقبة تصب في بوتقة مصلحة الوطن والمواطن السعودي.