د.عبدالله بن موسى الطاير
لشخص متابع للشأن السعودي الأمريكي منذ ربع قرن تقريبًا، ومع حالة الانبهار بمضامين خطاب الرئيس دونالد ترامب في منتدى الاستثمار السعودي الأمريكي بالرياض، سرعان ما استحضرت خطابًا آخر قبل 82 عامًا للرئيس فرانكلين روزفلت، أثنى فيه على الملك عبدالعزيز - رحمه الله - قبل أن يلتقيه بعامين، ومن أهم ما ورد فيه إشادته بالقيم المشتركة بينه وبين المؤسس، وثناؤه الكبير عليه وعلى الثقافة والحضارة العربية السعودية، وبلقاء القائدين تحولت العلاقة بينهما إلى علاقة شخصية أسست على ركائز متينة العلاقات السعودية - الأمريكية التي تعود إلى عام 1933م.
الرئيس روزفلت والرئيس ترامب وهما من حزبين مختلفين تخلصا من العقد الإيديولوجية في التعاطي مع السعودية، وتحررا من سطوة الدولة العميقة، وتمردا على العقيدة الليبرو - ديموقراطية، فجاء خطاباهما متماهيًا مع الحقائق على الأرض وليس انعكاسًا للصور النمطية وتمكينًا لها في الذاكرة الجمعية الغربية. بدون تحفظ أشاد الرئيس ترامب بتحول المملكة باعتباره «معجزة عصرية على الطريقة العربية». هذه العبارة تُجسّد رؤيةً للتقدم الإقليمي المتجذّر في المحلية، والتنويع الاقتصادي، ورفض الإملاءات الغربية.
قصد الرئيس ترامب استخدام مصطلح «النهج العربي» في خطابه ليصور تطور المملكة عملية أصيلة ثقافيًا، مختلفة عن النماذج الغربية التي طالما بشرت الحكومات الغربية بها تحت الإغراء والتهديد. قال: «إن السلام والازدهار والتقدم لم يأتِ في نهاية المطاف من الرفض الجذري لتراثكم، بل من اعتناق تقاليدكم الوطنية، واعتناق التراث نفسه الذي تُحبونه حبًا جمًا». وهذا الخطاب يتناقض بشدة مع الخطاب الأمريكي التقليدي، الذي غالبًا ما صوّر الولايات المتحدة كقوة دافعة للتحديث في الشرق الأوسط، وأن ثقافتها وطريقتها في الحياة هي الأمثل للبشرية ويجب فرضها بالقوة. على سبيل المثال، شددت خطابات جورج دبليو بوش على الإصلاحات الديمقراطية، بينما دعا خطاب باراك أوباما في القاهرة عام 2009 إلى «بداية جديدة» مع العالم الإسلامي، مُلمّحًا ضمنيًا إلى القيادة الغربية للتغيير في الدول العربية، ولم يكن ذلك سوى تدمير الدول والأنظمة العربية القائمة فيما سمي الربيع العربي. يُرجع خطاب الرئيس ترامب الفضل في تقدم المملكة، المتمثل في التنوع الاقتصادي لرؤية 2030، - حيث تجاوزت الصناعات غير النفطية النفط لأول مرة - إلى المبادرة المحلية، وتحديدًا قيادة الأمير محمد بن سلمان.
«الطريقة العربية» مثلت نقدًا صارخًا للتدخل الغربي، ونقضًا لسردية نهاية التاريخ، حيث انتقد الرئيس المحافظين الجدد، والليبراليين - بأدواتهم المتمثلة في المنظمات غير الربحية - لإنفاقهم «تريليونات وتريليونات الدولارات دون تطوير كابول وبغداد والعديد من المدن الأخرى»، مجادلًا بأن «عجائب الرياض وأبو ظبي البراقة» قد بُنيت من قِبل «الناس الموجودين هنا، الناس الذين عاشوا هنا طوال حياتهم». إنها رفض صريح للتغيير الذي يقوده الغرب، مما يشير إلى تحول في السياسة الأمريكية نحو احترام السيادة الإقليمية، وتقديم المملكة نموذجًا لشرق أوسط «يُعرّف بالتجارة لا بالفوضى»، ويُصدّر «التكنولوجيا لا الإرهاب».
تاريخيًا، أكد الرؤساء الأمريكيون على دور المملكة في أمن الطاقة والاستقرار الإقليمي، لكن ترامب يذهب أبعد من ذلك ليصف العلاقة الأمريكية السعودية بأنها «ركيزة الأمن والازدهار». وبثناء مستحق وصف الرئيس ترامب الأمير محمد بن سلمان بأنه «رجل لا يصدق» و»حكيم يفوق عمره»، ومازحه، «محمد، هل تنام في الليل؟»، ما يصور العلاقة بين القائدين على أنها تحالف شخصي ذو نبرة سامية تشكلت مع الزمن، فعبارة «أعتقد حقًا أننا نحب بعضنا البعض كثيرًا» تشير إلى «صداقة» تعاقدية» راسخة.
تختلف رؤية ترامب للشرق الأوسط - التي تُركز على التجارة والقيادة المحلية - عن السياسة الأمريكية التقليدية؛ فانتقاده للتدخلات الغربية التي «دمرت دولًا أكثر بكثير مما بنتها» يتحدى بشكل مباشر سياسات بوش وأوباما في العراق، وأفغانستان، وفي الدول التي قوض استقرارها وأمنها وسلامة أراضيها خريف أوباما. ومن خلال إشادته بمدن مثل الرياض ودبي وأبو ظبي لتجاوزها «الصراعات القديمة» من خلال الجهود المحلية، يدعو ترامب إلى موقف غير تدخلي، يعززه قراره برفع العقوبات عن سوريا بناءً على طلب الأمير محمد بن سلمان. ويتناقض هذا مع نهج بايدن المتشدد في فرض العقوبات، ومع دعم أوباما «الربيع العربي».
ربما يكون خطاب الرئيس ترامب صادمًا ومفاجئًا للعقل الغربي، بيد أنه بالنسبة لنا كان إقرارًا بواقع نعيشه، وبنجاح مسيرة جادة ونجاحات تراكمية في الحكم الرشيد والبناء والتنمية، لم تبدأ قبل مئة و23 عامًا بدخول الملك عبدالعزيز الرياض، وإنما انطلقت مسيرتها قبل أكثر من ثلاثة قرون عندما رُفعت راية حكم الأسرة السعودية في وسط نجد. الأمير محمد بن سلمان فخر وطني، وحلم وأمل عربي وإسلامي، تحتضنه بصدق قلوب مئات الملايين النظيفة من العرب والمسلمين.