د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
تبحث أمريكا عن شركاء موثوق بهم، فمنذ اتفاق كوينسي في 14 فبراير 1945 على متن الطراد يو إس إس كوينسي، لقاء بين الزعيمين الملك عبد العزيز مؤسس السعودية وروزفلت العائد من مؤتمر مالطا، يجدد ترامب هذه الشراكة ويتبع مبدأ ايزنهاور خطة ألقاها في 5 يناير 1957 برسالة إلى الكونغرس حول الاهتمام بالشرق الأوسط، خصوصاً أن السعودية مختلفة عن زيارة ترامب الأولى في 2017 التي حققت أغلب أهدافها في رؤية المملكة، وأصبح لها وزن اقتصادي وسياسي تلتقي مع الاستراتيجية الأمريكية، وأصبحت شريكاً للولايات المتحدة في رسم المشهد الإقليمي والدولي.
كشفت السعودية والولايات المتحدة عن مساعيهما لزيادة وتعميق العلاقات الاقتصادية والتحالف الاستراتيجي من خلال شراكات يقودها القطاع الخاص في البلدين، وتستهدف قطاعات حيوية في مقدمتها الطاقة والذكاء الاصطناعي والدفاع والسياحة والتقنيات المتقدمة، يتضح هذا من الوفد المرافق للرئيس دونالد ترامب ومشاركة كبرى الشركات والمؤسسات المالية والاستثمارية خلال منتدى الاستثمار السعودي - الأميركي يوم الثلاثاء 13/5/2025 بالتزامن مع زيارة دونالد ترامب إلى السعودية في أول زيارة خارجية، يدل على أن السعودية مركز اهتمام الولايات المتحدة وتعتبرها الشريك الأول في العالم في منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً أن الجانب الأمريكي ينظر إلى دور السعودية في دعم توازن أسواق النفط العالمية واستقرارها، وفي موثوقية الإمدادات بصفتها مصدراً رئيسياً للنفط الخام، وتمتلك أكثر من ربع احتياطيات العالم من النفط، تعمل الولايات المتحدة على التوصل مع السعودية إلى اتفاق شراكة تاريخي في مجال الطاقة النووية السلمية، إضافة إلى اتفاقات مماثلة في مجالات الطاقة والتعدين والبنية التحتية للطاقة استكمالاً للممر الهندي إلى أوروبا الأخضر الذي ينقل الطاقة من السعودية ودول الخليج التقليدية والنظيفة.
تخطط السعودية لتعميق علاقتها الاستثمارية مع الولايات المتحدة خلال السنوات الأربع المقبلة بما يصل إلى 600 مليار دولار تشمل مجالات حيوية مثل الصناعات الدفاعية، وأشباه الموصلات، والنقل، واستكشاف الفضاء، والتقنيات المتقدمة، على أن يكون للقطاع الخاص السعودي دور محوري في هذه الاستثمارات خصوصاً أن رؤية المملكة تستهدف رفع مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي من 40% في المائة إلى 65% بنهاية 2030 ارتفع حالياً إلى 43%، حيث تتواصل جهود السعودية لتمكين القطاع الخاص من أداء دوره الحيوي في تعزيز الاقتصاد وتنويعه ودعم المحتوى المحلي وتطوير فرص مبتكرة للمستقبل.
يعد الاستثمار الخاص ركيزة هيكلية لأي اقتصاد، وعادة يستغرق عقوداً من الزمن لكن في السعودية وفق تصريح وزير المالية السعودي محمد الجدعان تمكنت السعودية من رفع نسبة الاستثمار الخاص من الناتج المحلي الإجمالي من 16% إلى نحو 23%؛ لذلك سيكون للقطاع الخاص دور محوري في هذه الاستثمارات، خصوصاً أن المستثمرين في أمريكا ينظرون بإيجابية إلى التحولات الكبرى التي تشهدها السعودية خلال السنوات الأخيرة، كونها تخلق فرصاً عظيمة للشركات الأمريكية في مجالات عديدة.
سقف تطلعات كبار الرؤساء التنفيذيين الأميركيين والسعوديين مرتفع جداً لما ستتمخض عنه زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب والوفد المرافق له 5 من كبار المسؤولين الحكوميين الأميركيين من أبرزهم وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت ووزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك ومسؤول البيت الأبيض لشؤون الذكاء الاصطناعي والعملات الرقمية ديفيد ساكس، و10 من كبار التنفيذيين الأميركيين المشاركين في المنتدى الاستثماري المنعقد بالتزامن مع الزيارة إلى السعودية أبرزهم الرئيس التنفيذي لشركتي سبيس إكس وتسلا إيلون ماسك، والرئيس التنفيذي لشركة ميتا مارك زوكربيرغ، والرئيس التنفيذي لشركة بلاك روك لاري فينك، والرئيسة التنفيذية لسيتي غروب جاين فريزر ورئيس كوالكوم كريتيانو أمون، ورئيس بي إم ارفيند كريشنا، ومؤسس ورئيس بلاكستون ستيفن شوارزمان، والرئيس التنفيذي لشركة أوبن إيه أي سام التمان، والرئيس التنفيذي لشركة بوينغ كيلي أوتبرغ، والرئيس التنفيذي لشركة بالاتبر اليكس كارب، ورئيسة الاستثمارات في غوغل والفابت روث بورات، في عقد صفقات كبيرة في مجالات حيوية تتوافق مع رؤية المملكة 2030، وإطلاق شراكات بمجالات مختلفة بعدما فرضت الرياض نفسها على ساحة التجارة والاستثمار والاقتصاد العالمي.
ستمهد الشراكات الجديدة لمرونة صناعية نوعية تمكن الابتكارات والاستراتيجيات الصناعية والشراكات العالمية، فضلاً عن توطين سلسة من التوريد وصناعة البيانات، وتفتح آفاقاً جديدة لرجال العمال للإسهام بشكل فعال في رفع مستوى الشراكة الاقتصادية بين البلدين في مجالات الطاقة والذكاء الاصطناعي والصناعات التقنية الدقيقة والدفاع والفضاء.
** **
- أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والسياسية بجامعة أم القرى سابقاً